ولعل أبرز البعثات المنتدبة في هذا الشأن هي بعثة الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز ومكانة عمر في العلم والحرص على تعميمه مشهورة مشهودة، وسيأتي طرف من أخبارها في المسجد النبوي على عهد نافع، وبلغ من عنايته بقراءة القرآن وتشجيع القراء أنه كان "لا يفرض في بيت المال إلا لمن قرأ القرآن"(١).
وقد قام بإجراءات كثيرة لتفريغ المعلمين والمتعلمين لهذا الغرض وكتب بذلك إلى عماله ـ كما سيأتي ـ ومن بين تلك الإجراءات توجيه عدد من بعثات الإقراء إلى الأقاليم والجهات، أفذاذا وجماعات، ومنها بعثته المذكورة إلى افريقية والمغرب، وهي أكثر البعثات تخصصا في القراءة في نظرنا، وأعمقها أثرا في هذه المناطق كما سنعود إليه بمزيد من البيان، وقد وجه على رأس هذه البعثة قارئا جليلا هو إسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر مولى بني مخزوم القرشيين، وهو من رواة قراءة امام أهل الشام عبد الله بن عامر اليحصبي وممن قرأ القرآن أيضا على أنس بن مالك(٢). وعن عبد الرحمن بن عامر اليحصبي قال: قال لي إسماعيل بن عبد الله أخوك أكبر مني بخمس سنين وعلى أخيك قرأت القرآن"(٣).
وقد عده ابن حبان فيمن سمى من مشاهير علماء الشام من التابعين، فذكر أنه من صالحي أهل الشام وخيار الدمشقيين، كان عمر بن عبد العزيز قد ولاه جند افريقية، ومات في خلافة مروان بن محمد سنة اثنتين وثلاثين ومائة(٤).

(١) - القطع والائتناف لأبي جعفر النحاس ص ٨٤.
(٢) - قراءات القراء المعروفين بروايات الرواة المشهورين للأندرابي ص ٨١.
(٣) - تاريخ أبي زرعة الدمشقي ١/٣٤٤-٣٤٥.
(٤) - مشاهير علماء الأمصار لابن حبان ص ١٧٩. ونحوه في تاريخ أبي زرعة الدمشقي ١/٣٤٨-٣٤٩.

وقد لخص أبو الفضل بن المجراد السلوي الخلاف المذكور في شرح قول ابن بري المتقدم فقال: "وفي سوءات خلف"، أخبر أن عن ورش خلافا في واو "سوءات" جمعا، هل هو مستثنى من هذا الباب فلا يمد له أصلا، أو هو داخل في هذا الباب فيمد بوجهين: التوسط والإشباع كما في "شيء" و"سوءة"؟؟
فمذهب الحافظ اجراؤها مجرى نظائرها، اما بالاشباع كما يظهر من "إيجاز البيان"، وهو الذي قرأ به علي ابن خاقان وفارس بن أحمد، واما بالتوسط وهو الظاهر من "التلخيص" و"المفردة".
"مذهب مكي وابن شريح والمهدوي استثناؤه من حرفي اللين" وهذا على رواية أبي يعقوب عن رش، وأما على رواية عبد الصمد فليس عنه إلا القصر في حرفي اللين مطلقا كما قدمنا وقد نص على ذلك الحافظ، قال ابن المجراد:
فإذا جمع ما لورش في ألف "سوءات" وواوها من الخلاف، تصور للقارئ من ذلك تسعة أوجه: مدهما معا، وقصرهما معا، وتوسيطهما معا، والمخالفة بينهما، وقد نظمت ذلك في أبيات ثلاثة فقلت:
وسوءات فاقصر واوها ثم وسطن ومكن كهاويها(١) لورش بلا وهم
فتحصل في "سوءات تسعة أوجه إذا تليت وصلا فحققه عن فهم
فأشبعهما واقصر ووسط وخالفن تجد تسعة لا شك فيها لذي العلم(٢)
(١) - يعني بالهاوي: الألف.
(٢) - إيضاح الأسرار والبدائع لأبي الفضل محمد بن المجراد (مخطوط).


الصفحة التالية
Icon