ومن الطريف في هذا الصدد أن نجده في بعض اختياراته من حروف القراءة يخالف قراءة شيخي قراء بلده وعميدي مدرسة القراءات بها: أبي بن كعب وزيد بن ثابت، وذلك في مثل قراءته لقوله تعالى: "وانظر إلى العظام كيف ننشرها ثم نكسوها لحما"(١)، فقد قرأ "ننشرها" بالراء، وقرأ أبي وزيد معا "ننشزها" بالزاي"(٢).
وأكثر من هذا طرافة وغرابة ما فعله نافع في اختياره في قراءة مادة "يحزن" حيث وقعت في القرآن، فقد خالف في قراءتها شيخه أبا جعفر مخالفة واضحة حتى تبدو وكأنه تعمدها وقصد إليها، فقد قرأ الشيخ "يحزن" بفتح الياء وضم الزاي في جميع القرآن، إلا في قوله "لا يحزنهم الفزع الأكبر" في سورة الأنبياء(٣)فقرأها بضم الياء وكسر الزاي(٤)، في حين قرأ تلميذه نافع بعكس ذلك فقرأ المادة كلها بضم الياء وكسر الزاي إلا في هذا الحرف من سورة الأنبياء، فقرأ بفتح الياء وضم الزأي(٥).
ولم يخالف هنا شيخه وحده، وإنما خالف جمهور القراء ونظراءه من السبعة جميعا، قال ابن مجاهد:
"فكلهم قرأ "فلا يحزنك" و"ليحزن الذين آمنوا" و"اني ليحزنني" بفتح الياء وضم الزاي، وقرأ نافع بعكس ذلك، إلا في حرف سورة الأنبياء، فإنه فتح الياء وضم الزاي"(٦).
وقد مثل الإمام السخاوي بصنيع نافع هذا لالتزام أيمة أئمة القراء للرواية فقال:
"ومما يوضح تمسك هؤلاء الأئمة بالنقل ما نراه في قراءتهم، من قراءة حرف في موضع على وجه، وقراءة ذلك الحرف في غير الموضع على خلاف ذلك، كما قرأ نافع "يحزن" في جميع القرآن، إلا في الأنبياء.."(٧).
(٢) - الكشف ١/٣١٠.
(٣) - سورة الأنبياء الآية رقم ١٠٢.
(٤) - النشر ٢/٢٤٤.
(٥) - التيسير ٩١-٩٢ – ومنجد المقرئين ٦١.
(٦) - السبعة في القراءات ٢١٩.
(٧) - جمال القراء وكمال الإقراء ٢/٦٤٥.
كذا أساورة استقاموا... خاشعة أثارة ختام
والخلف في عبادنا بصاد... واحذف ينابيع وفي عبادي
أضغانهم أضغانكم كبائر(١)... لا أولا ثم هنا بصائر
حيث حطاما وقل وفي روضات(٢)... وقانت هنا وفي الجنات
شورى وأحياها هنا يختلف... وحرف ألواح هنا قد حذفوا
وفي ثمانين وفي ثمانية... ثماني الألقاب ثم واعية
أفتمارونه مع لواقع... كاذبة والخلف في مواقع
والألف الأخير من سماوات... في فصلت وعكسه جمالات
وفي ولا كذابا أيضا خلف... وفي المناجاة جميعا حذف
وصالح التحريم ثم باقية... تفاوت تداركه وواعية
عاليهم ثم النواصي وأتى... بخاشعا أهانني وأثبتا
عن بعضهم في كاتبين انفطرت... وحذف ريحان أتى في وقعت
للغازي والمرجان مثله رسم... عن الخراساني عطاء وحكم(٣)
وكل ما بقي لم أذكره... ففي الذي قدمته فانظره
تجده مقدما في الوصف... إن كان مما قد أتى بالحذف
وغيره إما بنص أثبتا... أو غير مذكور فعنه سكتا
باب من الحذف الذي قد جاء... في اليا بكسر قبلها اجتزاء
حيث أرهبون وكذا اتقون... ثم أطيعون وتكفرون
مئاب خافون وفاسمعون... كيدون لاهود تكلمون
هذان تشهدون يقتلون... متاب تخزون يكذبون
واخشون غير أول توتون... يسقين يهدين كذا يحيين
يشفين وارجعون واعبدون... في غير ياسين تفندون
ثم لئن أخرتني تستعجلون... حضر أو غاب بما أشركتمون
نبغ بكهف مع ليعبدون... فارسلون ثم كذبون
وغير أولي المهتدي نذيري... وعيدي يوت الله مع نكيري
دعاء إبراهيم مع فاعتزلون... بشر عباد كالجواب ينقذون
دعان مع أولى من اتبعن... عقاب والكهف بها يهدين
ثم ننج المؤمنين تفضحون... والمتعال يحضرون ترجمون
يات بهود وبها تسألن... تردين إن يردن قل إن ترن
(٢) - المعمول به اليوم الإثبات فيه وكذلك الجنات بعده، وقد ذكر الخلف فيهما أيضا في مورد الظمآن.
(٣) - المراد الغازي بن قيس القرطبي وعطاء بن يزيد الخرساني وحكم بن عمران القرطبي المعروف بالناقط، وقد تقدم ذكرهم.