ونقل ابن الجزري مثله عن القاضي أبي بكر الباقلاني مستدلا لأصل هذا الاختلاف بجواز أن يكون النبي ـ ﷺ ـ أقرأ واحدا بعض القرآن بحرف وبعضه بحرف آخر على ما قد يراه أيسر على القارئ ـ ثم قال ابن الجزري: "وظهر من هذا أن اختلاف القراء في الشيء الواحد مع اختلاف المواضع، قد أخذه الصحابي كذلك، إلى أن اتصل بالقراءة(١).. ثم ضرب أمثلة لذلك فذكر منها قراءة أبي جعفر "يحزن" بالضم وكسر الزاي في الأنبياء فقط، وفتح الياء وضم الزاي في باقي القرآن، وقراءة نافع عكسه في جميع القرآن بضم الياء وكسر الزاي، إلا في الأنبياء فإنه فتح الياء وضم الزاي"(٢).
ـ تمثيل نافع لقراءة أهل بلده مما عرف بالقراءة السنية:
إلا أنه ينبغي أن نشير إلى أن هذا الاستقلال الذي نوهنا به عند الإمام نافع بالنسبة للمشهورين من رجال مشيخته، وما ذكرنا من بروز شخصيته في اختياراته على العموم، لم يحل دون تمثيله لقراءة جمهور بلده تمثيلا جعلهم كما قدمنا يجتمعون على قراءته، ويجدون فيها الصيغة المثلى لما تحرر لديهم من القراءة السنية كما قرأ بها سلف الأمة وعلية الصحابة والتابعين.
وقد ساق العلامة ابن الباذش وغيره خبرا في هذا السياق يدلنا على مقدار تمثيل اختيارات نافع لقراءة أهل المدينة في زمنه، فذكر ابن الباذش بسنده عن سليم بن عيسى عن حمزة ـ رحمة الله عليه ـ قال:

(١) - لعل الأقرب "إلى أن اتصل بالقراءة" جمع قارئ.
(٢) - منجد المقرئين ٦١.

ثم تشاقون تبشرون... والباد يوتين يطعمون
واتبعون زخرف ومومن... ثم فما تغن وقل أكرمن
صال وفي الحج وروم هاد... آتاني الله وكيف الواد
يوم يناد وعذاب صاد... يسر التلاق ومعه التناد
دين أخيرا معه تتبعان... أهانن الجوار مع تعلمن
إيلافهم ثم المنادى وأتى... في وسط الزخرف باليامثبتا(١)
وعنكبوت ثم تحت صاد
أخراهما ودون يا المناد

فصل وقل إحداهما محذوفة


لثقل في أحرف معروفة
نحو النبيئين والأميين
وشبهه إلا بعليين
والخلف في أيهما قد حذفت
ومرتضى الداني الأخرى أثبتت
وابن نجاح حذفها قد رضيا
والثبت فيما(٢) حركت قد قويا
والحذف في أخراهما من يُحْيي
من طرف كنحو لا يستحيي
وحذفت في أولاهما من أربعة
وليي الله الذي وتبعه
حيي عن بينة لنحيي
وغير أول على أن يحيي

باب سقوط الواو حيث جاء


بضمة من قبله اكتفاء
ويدع الإنسان ويدع الداع
ويمح في الشورى سندع الداع
ومثلهن صالح التحريم
عن كلهم وردن في المرسوم

فصل وفي إحداهما قد جاء


حيث أتت للجمع أو بناء
نحو يسوءوا ووري الغاوون
ثمت داوود ولا تلوون
واختير فيما واوه قد دخلت
فيه لجمع أن تكون حذفت
أولاهما ما لم تكن بالضم
كنحو يلوون فعكس الحكم
واختير ذا العكس بذي البناء
من نحو داود بلا استثناء

باب سقوط أحد اللامين


وهي الأخيرة من الحرفين
لام الذي بالحذف حيث عنا
مفردا أو مجموعا أو مثنى
واللاء والليل التي واللاتي
وقل على الأصل سواها آت

باب ورود الهمز في المكتوب


وضبط رسمه على التقريب
الهمز إما أول أو طرف
أو وسط، فأول قل ألف
وكل حرف زائد يستطر
من قبله فذاك لا يعتبر
ونوعه كنحو ما أمثل
مثل سأصرف، فإن، سأنزل
وخرجت أشياء عن ذا الأصل
فرسمت على مراد الوصل
بالواو يبنؤم هؤلاء
(١) - يعني بالمنادي لفظ "ياعبادي" وقد صرح به في مورد الظمآن فقال: "وفي المنادى نحو يا عبادي... أخراهما وحرف زخرف أثر.
٠@وثبتت في العنكبوت والزمر
(٢) - في الأصل "فيها".


الصفحة التالية
Icon