وقد شرح الإمام المجاصي هذا المعنى بقوله: "كان كل من قرأ على نافع لا يرد عليه شيئا فيما سمع، حتى يقول له الذي يقرأ عليه: أريد قراءتك التي تقرأ بها في خاصة نفسك، فيقرئه بها، ولهذا كثر الاختلاف عنه في القراءة"(١).
وقد سبق أبو محمد مكي بن أبي طالب القيرواني إلى تقرير هذا المعنى في كتاب "الابانة"، وعلل به للخلاف الواسع الملحوظ بين ورش وباقي الرواة عن نافع، وبالأخص بينه وبين قالون عنه، الذي "اختلف معه في أكثر من ثلاثة آلاف حرف، من قطع وهمز وتخفيف وإدغام وشبهه، ولم يوافق أحد من الرواة عن نافع رواية ورش عنه، ولا نقلها أحد عن نافع غير ورش، وإنما ذلك لأن ورشا قرأ عليه بما تعلم في بلده، فوافق ذلك رواية قرأها نافع على بعض أئمته، فتركه على ذلك، وكذلك ما قرأ عليه قالون وغيره، وكذلك الجواب عن اختلاف الرواة عن جميع القراء"(٢).

(١) - شرح المجاصي على الدرر اللوامع (مخطوط) ورقة ٧ مخطوط بخزانة ابن يوسف بمراكش رقم ١٠٥.
(٢) - الإبانة عن معاني القراءات لمكي ٨٤-٨٥.

ثم تحدث عن منهجه في أرجوزة "المورد" ومصادره هذه التي اعتمدها فيها فلخص مسائلها وأضاف إليها بعض ما استفاده من غيرها مما ثبت بالرواية الموثقة، إلا أنه ـ كما ذكر ـ لم يسلك سبيلها في إيراد جميع ما يتعلق برسم القراءات السبع المشهورة، وإنما اقتصر من ذلك على قراءة أمام دار الهجرة، ومما قال في ذلك:
فجئت من ذاك بهذا الرجز... لخصت منهن بلفظ موجز
وفق قراءة أبي رؤيم... المدني ابن أبي نعيم
حسبما اشتهر في البلاد... بمغرب لحاضر وباد
وربما ذكرت بعض أحرف... مما تضمن كتاب "المنصف"
ثم تحدث بعد أبيات عن الكيفية التي سيسرد بها مسائل الرسم فقال:
جعلته مفصلا مبوبا... فجاء مع تحصيله مقربا
وحذفه جئت به مرتبا... لأن يكون البحث فيه أقربا
وفي الذي كرر منه أكتفي... بذكر ما جا أولا من أحرف
منوعا يكون أو متحدا... وغير ذا جئت به مقيدا
ثم قال بعد أبيات في وصف خطوات المنهج مبتدئا ببيان الألفات المحذوفة في الرسم من أول القرءان الكريم:

باب اتفاقهم والاضطراب... في الحذف من فاتحة الكتاب


وللجميع الحذف في الرحمن... حيث أتى في جملة القرءان
كذاك لا خلاف بين الأمة... في الحذف في اسم الله واللهمه
لكثرة الدور والاستعمال... على لسان حافظ وتال
وجاء أيضا عنهم في العالمين... وشبهه حيث أتى كالصادقين
ونحو ذريات مع آيات... ومسلمات وكبينات
من سالم الجمع الذي تكررا... ما لم يكن شدد أو إن نبرا
ثم بعد أن ساق هذه الأحكام المطردة انتقل إلى ذكر ما خرج عن القاعدة فقال:
وأثبت "التنزيل" أولى يابسات... رسالة العقود قل وراسيات
رجح ثبته وباسقات... وفي الحواريين مع نحسات
أثبته وجاء ربانيون... عنه بحذف مع ربانيين
وهكذا تتبع الحذف في بقية الباب بعرض المتفق عليه والمختلف فيه وما استثني من القاعدة ثم انتقل إلى ذكر الحذف في سورة البقرة فقال:
القول فيما قد أتى في البقرة... عن بعضهم وما الجميع ذكره
وحذفوا ذلك ثم الأنهار... وابن نجاح راعنا والأبصار


الصفحة التالية
Icon