قال ابن جني تعقيبا عليه: "قوله أوزن أي: أقوى وأمكن في النفس، أفلا تراه كيف جنح إلى لغة وغيرها أقوى في نفسه منها"(١).
وعلى مثل هذا الصنيع درج أئمة القراء، فكانوا يفعلونه مع العارضين عليهم، فلا يلزمون القارئ في أصول الأداء بما يرونه الوجه المختار لقوته في اللغة والقياس، أو لشيوع استعماله في القراءة والأداء، ولهذا نجد الخلاف يتسع أحيانا في بعض حروف القرآن اتساعا كبيرا، بسبب قبول اللغة فيها للوجوه المتعددة، كالوجوه في "أف" و"هيت لك" و"عبد الطاغوت"(٢)ونحوها.
ويدخل في هذا المنحى من التيسير على العارضين ما جاء عن نافع من قوله بالوجهين أو أكثر في أداء الحرف الواحد، وتخييره القارئ أحيانا في القراءة بأيها شاء، فقد روى عنه قالون مثلا قوله: "لا تبال كيف قرأت "بسطة"(٣)و"يبسط"(٤)بالصاد أو بالسين"(٥).
وروى أبو قرة عنه(٦)"ويبصط" و"بسطة" بالسين"(٧)
وقرأ ورش رواية عن نافع الحرفين "وبيصط" في البقرة، و"بصطة" في الأعراف بالصاد(٨)وقرأ غيرهما في سائر القرآن بالسين"(٩).

(١) - نفس المصدر والصفحات.
(٢) - في هيت لك ست قراءات – الكشف مكي بن أبي طالب ٢/٨-٩ وإملاء ما من به الرحمن للعكبري ٢/٢٨. – وفي "وعبد الطاغوت" اثنا عشرة قراءة – إملاء ما من به الرحمن ١/١٢٨.
(٣) - يعني "وزاده بسطة في العلم والجسم" في سورة البقرة الآية ٢٤٥.
(٤) - يعني التي في سورة البقرة الآية ٢٤٣، وقد ذكر ابن مجاهد هذا النقل عندها
(٥) - السبعة ١٨٥-١٨٦.
(٦) - هو موسى بن طارق وسيأتي في أصحابه.
(٧) - السبعة ١٨٦.
(٨) - الآية ٦٨.
(٩) - السبعة ١٨٥.

ثم قال عن عدد أبيات المورد الخاصة بالرسم:
خمسين بيتا مع أربعمائة... وأربعا تبصرة للنشأة
ثم بعد بيتين في الدعاء قال واصلا قصيدة "المورد" بذيل أرجوزته القديمة أي بالقسم الخاص بالضبط:
صلى عليه ربنا عز وجل... وآله ما لاح نجم أو أفل
هذا تمام نظم رسم الخط... وها أنا أتبعه بالضبط(١)
كيما يكون جامعا مفيدا... على الذي ألفيته معهودا
مستنبطا من زمن الخليل... مشتهرا في أهل هذا الجيل
فقلت طالبا من الوهاب... عونا وتوفيقا إلى الصواب
ثم أخذ في عرض قسم الضبط مصدرا له بقوله:
القول في أحكام وضع الحركة... في الحرف كيفما أنت محركة
ففتحة أعلاه وهي ألف... مبطوحة صغرى وضم يعرف
واوا كذا أمامه أو فوقا... وتحته الكسرة ياء تلقى
ثمت إن اتبعتها تنوينا... فزد إليها مثلها تبيينا
وإن تقف بألف في النصب... هما عليه في أصح الكتب
سواء إن رسم أو إن جاء... وهو ملحق كنحو ماء
وإن يكن ياء كنحو مفترى... هما على الياء كذا النص سرى
وقيل في الحرف الذي من قبل... حسبما اليوم عليه الشكل
وهكذا تتبع كيفية شكل الحروف المشددة والنون الساكنة المظهرة والمدغمة والمخفاة، وعلامة المد والمط وأحكام ضبط الهمز في أحواله المختلفة من تحقيق وإبدال وتسهيل ونقل، وأحكام همزات الوصل في الابتداء والدرج والنقل والحروف اللواحق المحذوفة من الرسم والزوائد فيه كبعض الألفات والياءات والواوات، ثم ذكر أحكام الحرف "لام ألف" وكيفية ضبطه مهموزا وممدودا وبعض الأحكام الجزئية المتعلقة ببعض الكلمات، ثم ختم مسائل الضبط بذكر الإشمام فقال:
ونقط "تامنّا" وما يشم... مع الذي اختلسته فالحكم
أن تجعل الجميع بالحمراء... هذا تمام الضبط والهجاء
محمد جاء به منظوما... نجل محمد بن إبراهيما
الأموي نسبا ونشأة... عام ثلاث معها سبعمائة
(١) - هذا البيت كما تقدم هو آخر بيت من أرجوزة الرسم الأصلية: "عمده البيان".


الصفحة التالية
Icon