روى أبو عمرو الداني بسنده إلى أبي زيد سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري البصري قال: "حملت نفسي على أن أذهب إلى أبي عمرو بن العلاء، فصليت خلفه في رمضان، فرأيته يقرأ ليلة بالإدغام(١)، وليلة بالإظهار، وليلة بقراءة، وليلة بأخرى، ومرة بهمزة، ومرة بغير همزة، فقلت: أحببت أ ن أكتب قراءتك، فصليت خلفك فلم أضبط، فكيف أصنع؟ فقال: اجمع الحروف، ثم اعرضها علي، فجمعت ومضيت فقرأت عليه، فما قال لي فيه: هذا اختياري أخذته، فقلت لأبي عمرو: أكل ما اخترته وقرأت به سمعته؟ قال: لو لم أسمعه من الثقات لم أقرأ به، لأن القراءة سنة"(٢).
مستويات العرض والرواية عن نافع
ومن دلالة هذا الخبر وما تقدمه من صنيع نافع، وما ذكره مكي آنفا في توجيه الخلاف عنه بين ورش وقالون وغيره من أصحابه يمكننا أن نميز بالنسبة للعارضين على المشايخ بين مستويين اثنين لم أر من نبه عليهما:
١- مستوى الاختيار: ، وهو ما وافق فيه الراوي الوجه المختار الذي يقرأ به شيخه، بدلالة اتفاق الرواة عن الشيخ في القراءة به، وذلك إنما يتحقق كثيرا في "فرش الحروف المفردة" التي لا يختلف الرواة فيها عن الشيخ إلا قليلا.
٢- مستوى الإقرار، وهو ما لا يوافق الوجه المختار عند الشيخ في قراءته، ولكنه مما أذن فيه لصحته وثبوته، وعرض القارئ به فأقره عليه وأجازه به ولم يرده أو ينكره عليه.
(٢) - نقله الباقلاني في نكت الانتصار ٤١٧ – وأبو سعيد بن لب في جوابه عن تواتر القراءات السبع – ينظر في المعيار للونشريسي ١٢/١٠٥.
ثم كان مما مست الحاجة إليه في أواخر المائة السابعة إعادة النظر في قضايا الرسم بتلخيصها من الأمهات وتقريبها من الناشئة، وكان التركيز فيها على كتاب "المقنع" لأبي عمرو خاصة لما فيه من دقة في وصف رسوم المصاحف الأئمة وتحديد لأمهات الأصول المعتمدة في الرسم في محاولة لإدخالها تحت القواعد الكلية التي يخضع لها هذا الفن والأسس النظرية التي قام عليها على أيدي رجال السلف الذين عنوا به في مراحله الأولى وضعا ورسما ورواية ووصفا وتحديدا. ولم يكن بدعا أن تستدعي الحاجة إلى تقريب هذه المباحث بإعادة صياغتها بعد أن استوفى عدد من الأئمة حصرها ودونوا أصولها مسندة عمن نقلها، فلهذا نجد الهمم قد توافرت بصفة خاصة على تأليف عدد من المختصرات لكتاب المقنع أذكر منها:
١- كتاب الممتع في تهذيب المقنع لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن داود اللخمي المرسي المعروف بابن الكماد (ت ٧١٢)(١)
٢- مختصر كتاب المقنع لأبي عبد الله محمد بن البقال التازي ثم الفاسي(٢).
٣- مختصر كتاب المقنع لأبي زيد عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن محمد بن شعيب بن عبد الملك بن سهيل القيسي (٦٧٣-٧٣٧)(٣).
٤- مختصر المقنع لأبي عبد الله الأنصاري(٤)
(٢) - أسنده ابن غازي في فهرسته ص ٩٨.
(٣) - ذكره له في نيل الابتهاج ١٦٥.
(٤) - ذكره أبو زيد القصري الفرمي في شرحه الآتي على ضبط الخراز.