وإذا كان بعضهم يذهب إلى أخذ ابن هرمز لذلك عن أبي الأسود الدؤلي الذي انعقد الإجماع أو كاد على تفرده بالسبق والريادة المطلقة في هذا المجال، فإن هذا لا ينفي عن ابن هرمز مثل ذلك السبق والريادة في تلك الدراسات في الحجاز، وبالمدينة على الأخص، ولا يستبعد أن يكون أهل المدينة قد أفادوا مبكرين من طريقة أهل البصرة في تيسير قواعد العربية، إلى جانب اقتباسهم لأسلوبهم في استعمال الألوان بكيفية خاصة للتمييز بين النقط والحركات والهمزات وغيرها، إذ كان لأهل المدينة ـ كما يفيد ما ذكره أبو عمرو الداني ـ نقط محلي، فتركوه ونقلوا بنقط أهل البصرة"(١)، وقد ساق في "المحكم" أدلة وافية كافية، لإثبات أخذ أهل المدينة لذلك عن أهل البصرة، منها ما رواه بسنده من طريق قالون صاحب نافع قال:
"في مصاحف أهل المدينة" بالسوء الا" بهمزتين في الكتاب ـ يعني نقطها ـ قال أبو عمرو:
"ألا ترى أن أهل المدينة لا يجمعون بين همزتين، بل قد كان بعضهم ـ وهو أبو جعفر يزيد بن القعقاع القارئ ـ يسهلهما معا، وهي لغة قريش، فدل ما استعملوه في نقط مصاحفهم من تحقيقهما وإثباتهما معا بالصفرة التي جعلوها لنقط الهمز المحقق، خلافا لقراءة أئمتهم ومذهب سلفهم، على أنهم أخذوا ذلك عن غيرهم، وأنهم اتبعوا في ذلك أهل البصرة، إذ كانوا المبتدئين بالنقط والسابقين إليه"(٢).
وقد قدمنا أيضا في ترجمة مسلم بن جندب الهذلي شيخ نافع، كيف أدخل الهمز في قراءة المدنيين بعد أن كانوا لا يعرفونه في قراءتهم ولا هو من لغتهم، حتى همز مثل "مستهزئون" "يستهزئ" ونحو ذلك فاقتدوا به(٣).

(١) - المحكم في نقط المصاحف ٧-٨.
(٢) - نفس المصدر والصفحتين.
(٣) - تقدم ذكر هذا في ترجمته في مشيخة نافع.

هكذا جعل الرسم منسوبا لورش مع أن الخراز إنما نسبه لنافع، وإذا كان كذلك فليس ورش بأحق به من غيره ممن روى عن نافع كقالون وإسماعيل وإسحاق المسيبي وغيرهم ممن قدمنا من أصحابه، لاسيما وأن ورشا – فيما أعلم – لا تعرف له رواية للرسم عن نافع، وإنما عرض عليه القراءة كما قدمنا، وإنما الذي روي الرسم عن نافع من طريقه هو ربيبه قالون كما قدمنا في صدر هذا البحث، والرواية عن قالون في ذلك واسعة في كتب الرسم الأمهات(١).
(١) - يمكن الرجوع إلى القائمة الطويلة التي رواها أبو عمرو من طريق قالون في المقنع ١٠-١٤.


الصفحة التالية
Icon