فمن ذلك ما حدث به في اختلاف القراءة في قوله تعالى "ثم اتبع سببا حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة.."(١).
قال الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري في تفسيره: حدثنا يونس(٢)قال: أخبرنا ابن وهب قال: "حدثني نافع بن أبي نعيم قال: سمعت عبد الرحمن الأعرج(٣)يقول: كان ابن عباس يقول: "في عين حمئة"(٤)، ثم فسرها: ذات حمأة. قال نافع: وسئل عنها
كعب(٥)فقال: "أنتم أعلم بالقرآن مني، ولكني أجدها في الكتاب(٦)تغيب في طينة سوداء"(٧).

(١) - سورة الكهف الآية رقم ٨٤.
(٢) - هو ابن عبد الأعلي الصدفي المصري وسيأتي في أصحاب ورش.
(٣) - هو ابن هرمز تقدم في شيوخ نافع.
(٤) - جاءت الرواية على قراءة نافع وبها قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص عن عاصم، وقرأ باقي السبعة ابن عامر وحمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر بن عياش "حامية"بألف وبغير همز – ينظر السبعة في القراءات لابن مجاهد ٣٩٨ – وقد وافق نافع قراءة النبي ﷺ وعلي وأبي بن أبي كعب وابن عباس كما في الكشف لمكي بن أبي طالب ٢/٧٤.
(٥) - هو كعب بن ماتع الحميري المعروف بكعب الأحبار، تابعي أسلم زمن عمر، ونزل الشام، مات سنة ٣٤ – ترجم له ابن حبان في مشاهير علماء الشام – مشاهير علماء الأمصار لابن حبان ١١٨ ترجمة ٩١١.
(٦) - يعني التوراة، لأنه كان من أحبار اليهود اليمنيين.
(٧) - تفسير الطبري "جامع البيان عن تأويل آي القرآن" ١٦/١٠. وقد أنكر أبو بكر بن العربي قصة مماثلة سأل فيها بعض الصحابة كعبا عن معنى الآية لاختلافهم فيها في مجلس معاوية أهي "حمئة" أم هي "حامية"- ينظر في ذلك ما ذكره ي عارضة الأحوذي على شرح جامع الترمذي ١١/٥٦.

وبين أيدينا من كلام الناظم نفسه ما يشير إلى هذا الاستدراك والإصلاح، فقد ذكر صاحبه وأول شارح لأرجوزته في الرسم أبو محمد بن آجطا في "التبيان" عنه ما يلي: "يقول ناظم هذا الرجز الذي فرغنا من شرحه: "لما انتهى نظم هذا الرجز في التاريخ المذكور بلغ أربعمائة بيت وسبعة وثلاثين بيتا، ثم انتسخ وانتشر ورواه بذلك أناس شتى ثم عثرت فيه على مواضع كنت وهمت فيها فأصلحتها، فبلغ أربعة وخمسين بيتا مع أربعمائة فصار الآن ينيف على ما سبق منه سبعة عشر بيتا، فمن قيد من هذا نسخة فليثبت هذا بآخرها ليوقف على صحته، والله تعالى ولي التوفيق بمنه، لا رب غيره، ولا معبود سواه". انتهى كلامه رحمه الله"(١).
فالمورد إذن قد خضع للمراجعة من لدن ناظمه نفسه، فكان تعديله من حيث عدد الأبيات كما ذكر.
إلا أن التعديل يبدو أيضا أنه لم يقتصر على عدد الأبيات، وإنما شمل التعديل في الصياغة أيضا، ومن هنا نجد بعض شراح المورد يشير إلى بعض الاختلاف بين النسخ، وذلك غالبا ناشئ عن اختلاف الروايات الناتج عن هذا التعديل.
أهم روايات المورد:
ولعل أهم الروايات التي انتشر منها المورد هي:
١- رواية أبي محمد عبد الله بن عمر بن آجطا: وهي التي شرح على أساسها في شرحه المسمى بـ "التبيان"، وقد جاء في مقدمته عند ذكر ترجمة الناظم قوله عن نسبه: "هكذا في نسخته التي كتبها بيده، ونسخت أنا منها هذه النسخة التي عندي، وقرأتها عليه وسمعها مني وأجازني فيها عفا الله عنه"(٢).
وقد ذكر بعض الشراح وجود مخالفة بين نسخة ابن آجطا وغيرها، واعتبر روايته أصح وأرجح لأنه سمع الأرجوزة من ناظمها مباشرة"(٣).
(١) - خاتمة التبيان لابن آجطا الصنهاجي.
(٢) - مقدمة التبيان.
(٣) - ذكره أبو الحسن التروالي في أول شرح المورد الآتي المسمى بمجموع البيان.


الصفحة التالية
Icon