في سورة المعارج: "يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون(١). وقوله في سورة القصص: "فأرسله معي ردا يصدقني"(٢).
قال عبد الله بن وهب: حدثني نافع قال: سألت مسلم بن جندب عن قوله تعالى: "كأنهم إلى نصب يوفضون" فقال: إلى غاية، فسألته عن "ردا يصدقني"، فقال: الردء: الزيادة"(٣).
وهكذا نلاحظ في الأمثلة الثلاثة أن الأسئلة توجهت إلى المعاني لا إلى كيفية القراءة، وكأن القراءة إنما هي تابعة للتفسير على خلاف ما هو متعارف، ولكننا بتأمل تلك الأمثلة واعتبار صحة ما ذكر فيها من أوجه القراءات، ندرك أن الأسئلة كانت غالبا منصبة على وجه التأويل لأنه يساعد على اختيار أمثل الوجوه في المعني، فتكون القراءة بحسب ذلك على سبيل الاختيار، دون إنكار وجه القراءة الأخرى أو باقي الأوجه. ويظهر ذلك في المثال الأخير في قراءة "إلى نصب" فقد قرأها بضم النون والصاد معا عبد الله بن عامر الشامي، وعاصم من رواية حفص عنه، وقرأ نافع وباقي السبعة والعشرة "نصب" بفتح النون وإسكان الصاد(٤)وقرأ أبو العالية الرياحي "إلى نصب" بضم النون وإسكان الصاد(٥)، ففيها إذن ثلاث قراءات يتنوع المعنى ويختلف باختلافها. وقد جاء التفسير عن الحسن البصري في قوله: "إلى نصب يوفضون" قال: يعني: إلى أنصابهم أيهم يستلمها أولا؟ قال الزجاج: وهذا على قراءة من قرأ "نصب" بضمتين، كقوله: "وما ذبح على النصب" قال: ومعناه: أصنام لهم"(٦).
(٢) - سورة القصص الآية رقم ٣٤.
(٣) - نقله الذهبي في معرفة القراء الكبار ١/٦٦.
(٤) - السبعة لابن مجاهد ٦٥١ والكشف لمكي ٢/٣٣٦ والنشر ٢/٣٩١.
(٥) - مختصر الشواذ لابن خالويه ١٦١.
(٦) - المائدة الآية رقم ٤ والنص في إغاثة اللهفان لابن القيم ١/٢٠٨.
وقد زاد غير واحد من الرواة والشراح في العنوان ما يفيد في إيضاح موضوعها إفقال المنتوري "في معرفة رسم القرآن"(١)، وقال ابن غازي في روايته: "في رسم أحرف القرآن"(٢)، ونشرت في مجموع مع بعض المتون في الرسم وغيره تحت عنوان "الأرجوزة الجديرة بحسن الوسم، في فني الضبط والرسم"(٣).
والظاهر أن هذا الاسم من تصرف بعض العلماء مريدا به التنصيص على ما تضمنته في صورتها الحالية من جمع للفنين معا.
فمسماها عنده أعم من غيره لأنه أدرج فيه الضبط، وذلك غير مفهوم مما ذكروه، إما لأنهم نظروا إلى الأغلب وإما لأن الذيل المتعلق بالضبط كان عندهم مستقلا في الاعتبار، ويدل على ذلك اقتصار كثير من الشراح ابتداء من شارحها الأول على شرح قسم الرسم وحده، واقتصار آخرين كصاحب الطراز على شرح قسم الضبط وحده.
شروح أرجوزة المورد في الرسم وشراحها:
لقد رأينا أن المظهر الأول من مظاهر العناية بالأرجوزة كان في روايتها وحفظها، أما المظهر الثاني من ذلك فقد كان في شرحها وبيان مقاصدها وبحث قضاياها ووصلها بمصادرها التي ينقل الناظم عنها إلى غير ذلك مما عني به الشراح بحسب مناهجهم ومستوياتهم وطبقاتهم في مختلف العصور.
ولإبراز جانب من هذه العناية نحاول تتبع أسماء الشروح التي ظهرت عليها أو أسماء الشراح الذين نجد الإشارة في المصادر إلى شروحهم عليها، مع التعريف الموجز بما وقفنا عليه من ذلك وهو قليل بالقياس إلى المجموع.
(٢) - فهرسة ابن غازي ٩٩.
(٣) - طبع المجموع المذكور بالمطبعة التونسية بنهج سوق البلاط بتونس سنة ١٣٥١هـ ويحتوي إلى جانب مورد الظمآن الذي سماه كما ذكرناه، على نظم الدرر اللوامع لابن بري، وأرجوزة للشيخ الغنيمي ستأتي سماها اختصار الداني في رسم نافع، واختصار الجاكاني في الحذف، وهي في المجموع على هذا الترتيب، وأرجوزة الخراز ما بين ص ١-٢٧ منه.