وقال ابن خالويه في توجيه قراءتي السبعة: "الحجة لمن قرأ بضمتين، أنه جمع نصب ونصب كرهن ورهن، والحجة لمن فتح وأسكن أنه جعله ما نصب لهم كالعلم أو الغاية المطلوبة، ومعنى يوفضون: يسرعون"(١).
ولا يخفى أن المعنى على التأويل الأخير هو الموافق لاختيار نافع وما ذهب إليه شيخه ابن جندب فيما حكاه عنه في تفسير اللفظ، مما يدل على مقدار استفادته من مثل هذه الروايات في تكوين اختياره في القراءة والاحتجاج له، واعتماده أيضا مع بعض مشايخه على الدراسة اللغوية "المقارنة" للحصول على معرفة الوجوه المختارة في القراءة والأداء.
وما ذكرناه عنه في هذا الحرف نذكره أيضا عنه في الحرف الثاني الذي سأل عنه ابن جندب، وهو لفظ "الردء" في الآية، فقد قرأ نافع "ردا" بإسقاط الهمز، فقيل: نقل حركة الهمزة إلى الدال وحذف الهمزة، وقرأ غيره من السبعة "ردءا" بإسكان الدال وهمزة مفتوحة منونة"(٢).
وقد وجهت القراءتان على وجوههما إلى معنى واحد، حملا على ما روي عن نافع من رواية ورش في نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها مع حذفها في مثل "قد افلح" و"من آمن" و"ذواتي أكل" ونحوها، وبه قرأ ورش وقالون معا عنه في "ردا يصدقني"، وبه قرأ جميع الرواة عن نافع(٣).
إلا أن ما روي عن نافع في توجيهه لقراءة الهمز ينفي أن يكون أراد المعنى نفسه الذي تدل عليه لكنه نقل حركة الهمز إلى الساكن قبله وحذفه، وإنما قراءته على التوجيه الآتي بترك الهمز ابتداء دون اعتبار نقل ولا غيره، مع إشارته إلى مدلول القراءة الأخرى بالهمز، وذلك ما نقله العلامة ابن الأنباري بسنده عن نافع أنه قال: "من قرأ" ردءا بالهمز أراد: عونا، ومن قرأ "ردا" بلا همز أراد: زيادة، واحتج للمعنى الأخير بقول الشاعر:

(١) - الحجة في القراءات السبع ٣٥٣.
(٢) - السبعة لابن مجاهد ٤٩٤ والكشف ١/٨٤ والحجة لابن خالويه ٢٧٨.
(٣) - السبعة ٤٩٤.

١- شرح مورد الظمآن أو "التبيان في شرح مورد الظمآن" لأبي محمد عبد الله بن عمر بن آجطا الصنهاجي
وهو أول من شرحه ـ كما تقدم ـ ولهذا نجد النقل عنه عند الشراح المتأخرين بلفظ "قال شارحه الأول"، وكان تأليفه للشرح المذكور كما ذكر في مقدمته متفاوت الزمن بين أوله وآخره، وهذه نبذة مما ذكره في ذلك وعن طريقته فيه:
وقفت على هذا الشرح في نسخ عديدة(١)، ومنها نسخة في خزانة خاصة(٢) تبتدئ بهذه الديباجة:
"يقول العبد الفقير المذنب الراجي عفو ربه ـ عز وجل ـ عبيد الله بن عمر الصنهاجي المعروف بآجطا في هذا الكتاب المسمى بـ"كتاب التبيان في شرح مورد الظمآن":
"الحمد لله الملك الديان، الرحيم الرحمن... وبعد فاعلم أن الكتابة من أجل صناعة البشر وأعلى شأن، ومن أعظم منافع الخلق من الإنس والجان، لأنها حافظة لما يخاف عليه النسيان، وناطقة بالصواب من القول إذا حرفه اللسان، ومبقية للحكم على ممر الدهور والأزمان...
(١) - من هذه النسخ الخطية نسختان خ ح بالرباط تحت رقم ٤٧٠٢-٥٨٢٧ (مبتورة الآخر)، وبخزانة تطوان نسختان برقم ٧٣٩-٨٣٥، ومنه مخطوطه بمكتبة معهد اللغات الشرقية بباريس تحت رقم ١١٥ في مجموع.
(٢) - وقفت عليها عند الشيخ المقرئ السيد أحمد بن الطاهر الكونطري بالصويرة، ثم حصلت منها على مصورة، وتنقصها السطور الأولى نحو ثمانية أسطر.


الصفحة التالية
Icon