وأسمر خطيا كأن كعوبه نوى القسب قد أردى ذراعا على العشر(١)
قال ابن الأنباري: فمعناه: قد زاد على العشر"(٢).
وهذا يدل على تفريق نافع بين مقتضى القراءتين، وأن قراءته التي اختارها بالتخفيف ولم يرو عنه غيرها من الطرق المعروفة، ليست جارية على أحكام نقل الهمزة كما تكلف لتخريجها على ذلك طائفة من المؤلفين في الاحتجاج للقراءات وتوجيهها(٣)، وإنما هي جارية على رعايتها لهذا التأوبل الموافق لما تأوله عليه شيخه ابن جندب فيما أسلفنا، مع تعزيز نافع له بهذا الشاهد من الشعر العربي، وهذا ونحوه منه سبق فريد إلى الدراسة المقارنة لوجوه القراءات والاحتجاج لها بما تكلمت به العرب في أشعارها، هذا إلى جانب استثماره للثقافة الأدبية والتراث الأدبي على الخصوص في تنقيح الوجوه المختارة والنظر فيها باعتبار ما تؤول إليه من معان واعتبارات.
وهكذا ارتفع نافع في اختياراته من صعيد الرواية المجردة إلى آفاق الدراية الواعية، كما ارتفع بمستوى التدريس إلى مثل ذلك شعورا منه بحاجة المهرة من أصحابه إلى تعزيز ما يأخذونه من اختيارات بما يدعمه من الشواهد والاعتبارات.
ويدل مجيء الرواية في هذا وأمثاله عن الأصمعي وابن وهب وقالون وأضرابهم، على أنه إنما كان يطارح هذه المسائل والروايات من بلغوا مستوى التبريز، وأخذوا معه في فقه القراءة وتحقيق معانيها. وذلك جانب من استعمال نافع لثقافته اللغوية في توجيه اختياراته في القراءة والأداء.

(١) - البيت لحاتم الطائي كما ذكره الجاحظ في البيان والتبيين ٣/٦٣.
(٢) - إيضاح الوقف والابتداء لابن الأنباري: ١/٤٠٥-٤٠٦.
(٣) - ينظر الحجة لابن خالويه ٢٧٨ – والكشف لمكي ٢/٨٤.

ثم ذكر آثارا في فضل الكتابة وعناية السلف بتعلم الخط وتدوين العلم، ثم تطرق لذكر أول من كتب بإطلاق وأول من كتب بالعربية، وكيف انتقلت الكتابة إلى قريش وأهل مكة، ثم تطرق إلى القول بأولوية كتاب الله بأن يخص من الحفظ والصيانة بأوفر نصيب عن طريق الخط والكتابة، وأنه لما كان الأمر كذلك بادر سلف هذه الأمة إلى كتابة "مصاحف يهتدي بها، ويرجع إليها، ويرتفع الخلاف معها، والنزاع عندها، وكان أولى ما اهتم به المهتمون، واهتدى بهديه المهتدون، معرفة ما في تلك المصاحف من الهجاء الذي رسمه الصحابة عليها، لأن معناها لا يتأدى إلا بمطالعته، ولا يصح إلا بعد معرفته، ولا يحصل إلا بمعاينته، واتباعهم واجب في ذلك ومخالفتهم من أسباب المهالك".
ثم مهد لذكر مورد الظمآن بقوله: "وقد صنف الناس في هجاء المصاحف كتبا كيف رسمت، وأول من جمع القرآن في مصحف، والسبب الموجب لجمعه وغير ذلك مما يتعلق به نظما ونثرا من زمن التابعين إلى عصرنا هذا".
"وكان من أحسن ما نظم في هذا العصر، وأبدع ما وضع من نظم ونثر، الرجز المسمى بمورد الظمآن في رسم القرآن، للأٍستاذ المقرئ المجود المحقق المعلم لكتاب الله العزيز أبي عبد الله محمد بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله الأموي الشريشي الشهير بالخراز، وقد أتقنه غاية الإتقان، واختصره من كلام أئمتهم المتقدمين في هذا الشأن، والمقتدى بهم في معرفة رسم القرآن، وبذلك حق له تسميته بـ "مورد الظمآن"، ونظمه من أربعة كتب: اثنين نظما، واثنين نثرا(١)، فأحسن في نظمه، جعله الله له ذخرا، وأثابه بالجنة جزاء".
(١) - المنثوران: المقنع والتنزيل، والمنظومان المنصف وعقيلة الأتراب.


الصفحة التالية
Icon