"كان إماما في علم القرآن وعلم العربية"(١). ودليل ذلك ما قدمناه من مطارحاته لأصحابه في هذه القضايا في توجيه الاختيارات، وقوله في وصف قراءته ـ كما قدمنا ـ "نقرأ على أفصح اللغات وأمضاها".
وقد ذكر ابن منظور في لسان العرب في مادة طمر ما يشهد على أن نافعا قد بلغ في العربية إلى مستوى فصحاء أهلها حتى كان كلامه فيها مما يحتج به، قال ابن منظور حاكيا عنه:
"وقال نافع بن أبي نعيم: كنت أقول لابن دأب(٢)إذا حدث: أقم المطمر أي: قوم الحديث ونقح ألفاظه واصدق فيه، وهو بكسر الميم الأولى وفتح الثانية: الخيط الذي يقوم عليه البناء".
ثانيا: علم التجويد
أما العنصر الثاني وهو علم التجويد، فيعتبر الإمام نافع من قدامى رواده، وأحد من عرف من القراء السبعة بمباحثة أصحابه فيه، وربما كان هو وحمزة بن حبيب أكثر القراء المشهورين حفاوة بمباحثه، انسجاما منهما مع ما كانا يأخذان به في الغالب من اختيار طريقة "التحقيق" في القراءة والأداء، وهي طريقة تمتاز بالتمهل والترسيل، واستيفاء مخارج الحروف وصفاتها، وذلك ـ كما وصفه الحافظ ابن الجزري ـ يكون "بإعطاء كل حرف حقه، من إشباع المد، وتحقيق الهمز، وإتمام الحركات، واعتماد الإظهار التشديدات، وتوفية الغنات، وتفكيك الحروف ببيانها وإخراج بعضها من بعض، بالسكت والترتيل واليسر والتؤدة، وملاحظة الجائز من الوقوف"(٣).
وقد كان القائمون على صناعة التعليم من كبار الأئمة يأخذون شداة المتعلمين بمراعاة هذه الأحكام ليتمرنوا على أدائها، وربما بالغ بعضهم في تحريها طلبا لرسوخها في أداء القراء، وتحولها مع الممارسة من المحاولة إلى الملكة والصدور التلقائي دون تكلف أو جهد، على نحو ما ذكر عن حمزة في أخذه بذلك المبتدئين(٤).
(٢) - لسان العرب: ٤/٥٠٣. ترجمة ابن دأب.
(٣) - النشر لابن الجزري ١/٢٠٥.
(٤) - ينظر في ذلك جمال القراء وكمال الإقراء للسخاوي ٢/٥٢٧-٥٢٨.
"وسميت هذا الشرح بـ "كتاب التبيان، في شرح مورد الظمآن"، مستعينا بالله في القول والعمل، معتصما به من الزلل، راجيا ثوابه، قارعا بابه، جاعلا أعظم الوسائل كتابه، وأنا أبيح لمن طالع كتابي هذا إصلاح ما يجد به من الخلل، وستر ما يعثر عليه من الزلل، فإني لم أكتبه في لوح ولا غيره، بل جعلت مبيضته هذا الذي هو فيه حتى أكرر النظر فيه إن شاء الله، فإن وجدت إلى ذلك سبيلا من الفراغ من الأشغال فعلت وجددت عهدا لمقابلته وإلا بقي كما هو، على أنه ليس فيه إلا الشيء اليسير في بعض المواضع من تكرار ألفاظ ووهم في بعض الكلام، والله الموفق للصواب، لا رب غيره، ولا مرجو إلا خيره، وهذا أوله:
قال عبيد الله محمد بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله الأموي الشريشي عفا الله عنه: "... ثم أخذ في التعريف بالناظم وذكر مكانته ودار سكناه وموضع قبره بعد وفاته وبعض شيوخه وآثاره، ثم أخذ في شرح أبيات أرجوزة الرسم وأولها: "الحمد لله العظيم المنن... إلى ان انتهى إلى آخرها في شرح قوله في آخر الرسم:
صلى عليه ربنا عز وجل | وآله ما لاح نجم أو أفل. |