"كنت إذا قرأت على نافع عقد الثلاثين(١)، ويقول: "قالون" ـ يعني جيد"(٢).
ثالثا: علم الرسم
أما العلم الثالث الذي لا يسع الجهل به قارئ القرآن، وهو من وسائل علم القراءة، فهو رسم المصحف، وهو ـ كما عرفه ابن خلدون ـ "أوضاع حروف القرآن في المصحف، ورسومه الخطية، لأن فيه حروفا كثيرة وقع رسمها على غير المعروف من قياس الخط.."(٣).
ولما كانت تلك الأوضاع الخطية لم تكن عند كتاب المصحف "كيف اتفق، بل على أمر عندهم قد تحقق، وجب الاعتناء به، والوقوف على سببه"(٤). فمن هنا جاء اهتمام السلف منذ الصدر الأول بالمحافظة على تلك الأوضاع، والالتزام بها عند الكتابة القرآنية، ولم يسوغوا لأحد تجاوزها والتصرف فيها لحال، كما هو مشهور من فتاوى كبار الأئمة في ذلك، فقد قال أشهب: سئل مالك ـ رحمه الله ـ هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء؟ فقال: لا، إلا على الكتبة الأولى"(٥).
وقال الإمام أحمد ابن حنبل: "تحرم مخالفة خط المصحف في ياء أو واو أو ألف أو غير ذلك"(٦).
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: "اتباع حروف المصحف عندنا كالسنن القائمة التي لا يجوز لأحد أن يتعداها"(٧).
ومن هنا كان أئمة الإقراء من قراء الجماعة بالأمصار لا يعترفون بقراءة القارئ، إلا إذ استوفت العناصر الثلاثة الأساسية ـ الآنفة الذكر ـ ومن أهمها موافقتها للمرسوم في المصحف الإمام.
(٢) - نقله الجعبري في كنز المعاني عند التعريف بقالون، وقال: خاطبه بلسان الروم، لأنه من سبي الروم".
(٣) - مقدمة ابن خلدون ٤٣٨.
(٤) - نفس المصدر والصفحة.
(٥) - المحكم ١١ والمقنع ١٠.
(٦) - البرهان للزركشي ١/٣٨٠.
(٧) - نفس المصدر والصفحة.
"هذه الألفاظ كلها عند الداني بالحذف، إلا ثلاثة مواضع، وهي الأول من البقرة، والحرفان في الحديد، فإنها بالخلاف، وهي كلها عند أبي داود بالخلاف، إلا "يضاعفها"(١) فإنه بالحذف.
قال الشارح: "وهذا وهم منه – رحمه الله – في هذا، لأن أبا داود لم يذكر في التنزيل" في "لفظ المضاعفة" إلا الحذف، وذكر أن ذلك إجماع من المصاحف... فلعله – رحمه الله – حين طالع "التنزيل" وقع نظره على قول أبي داود: "واختلط القراء في حذف الألف وإثباتها"، فتحقق عنده أنه أراد حذف الألف وإثباتها خطا، فعمل على ذلك، ثم إنه – رحمه الله – لم يراجع مطالعته فيه، ولا نظر لما قبل ذلك، وإلا فهذا وهم كبير، مع أنه – رحمه الله – كان محققا فيما ينقله، متقنا في ضبطه، متحرزا من الغفلات والسقطات، ولو ذكر له أو عثر عليه لبدله بما يزيل الوهم، ولقد قلت بيتا(٢) مكانه:
واحذف "يضاعفها" لدى النساء | وعنهما أيضا سواه جاء |
والخلف للداني بأولى البقرة | ثم بِحَرْفَيِ الحديد ذكره(٣) |
ولقد اعتمده عامة من كتبوا بعده إلا قليلا منهم ممن عاصره كالمجاصي الآتي، وعلى الأخص فيما تفرد بنقله فيما يتعلق بترجمة الناظم وآثاره.
(٢) - كذا والصحيح "بيتين".
(٣) - التبيان لوحة ١١٢. وله تحقيق مثل هذا أيضا في اللوحة ٩٧ عند قوله "وفي العظام عنهما في المؤمنين" فقد ذكر ** أن بعض طلبة الخراز راجعه في البيت في إطلاقه الحذف للداني وأبي داود هنا فظهر له فساده فبدله بشطر آخر ذكره، لكن الشارح ظهر له فساد ما ذكره في التعديل أيضا وقال: "ولم أسمعه منه ولا سألته عنه، لأن هذا كان قريبا من المرض الذي مات منه عفا الله عنا وعنه".