وقد قدمنا مذهب نافع في ذلك، وأنه كان من أشدهم التزاما بملاءمة القراءة لمصحف الجماعة بتحقق الموافقة التامة له في الوصل والوقف، فكان بذلك يجمع بين مقتضى الروية الثابتة، ومقتضى هذه الرعاية الواجبة، فإذا زاد في الرواية الصحيحة حرف على خط المصحف، لم يأذن بكتابته بالسواد، واحتفظ به في الأداء فحسب، وقد قدمنا طريقته في ذلك في بعض ما يزيد عنده من ياءات، ولهذا جاء عنه أنه كان "يقف على الكتاب"(١)، وإذا وقف على حرف لم يدع الهمز فيه"(٢).
وانما كان اهتمام نافع وغيره من الأئمة بالتمييز بين خط المصحف، وبين ما تقتضيه الرواية في بعض الحروف، نوعا من الاحتياط والوفاء لمذهب الجماعة في أن لا يزاد في المصحف ما لم يكن فيه، ومحاولة للملاءمة بين الرواية والرسم حتى فيما زاد عليه، إذ أن هناك حروفا كثيرة إنما احتملها رسم المصحف في القراءة بنوع من التسامح، إلا أنها ثابتة في الرواية ولا سبيل إلى ردها، ككثير من الكلمات التي تواترت القراءة فيها بالجمع والإفراد معا، ورسمت في المصاحف موافقة لإحدى القراءتين، ومحتملة للأخرى بنوع من التقدير، وكطائفة من الكلمات التي تقرأ باختلاف في الصيغة والوزن، مما يقتضي تقدير بعض الحروف في الرسم.

(١) - أي المكتوب والمرسوم في المصحف الإمام.
(٢) - الإيضاح في الوقف والابتداء لابن الأنباري ١/٣٨٥.

كما اعتمده في التدريس أيضا كبار المشايخ لما فيه من التحرير واستقصاء المسائل في أصولها التي اعتمدها الخراز كالمقنع والتنزيل والمنصف والعقيلة وغيرهما من المصادر التي رجع إليها أو نقل عنها(١).
ولقد نبه بعض الباحثين على مكانته وذكر أن "كل الشروح عالة عليه، وقد كتب أبو عبد الله القصار(٢) إلى تلميذه أبي العباس الشريف العلمي يقول: (... وأعجبني إقراؤك الخراز، واعتمد على ابن آجطا، فإن نقله صحيح، وكثير من شروح الخراز فيه تحريف..."(٣).
وقد نبه الباحث المذكور على أن "هناك نسخا مختصرة من هذا الشرح – لم يشر إلى مكانها – تحمل نفس العنوان: (التبيان) منسوبة إلى المؤلف، ولعل ذلك مما قيده بعض تلاميذه أيام إقرائه لهم"(٤).
بعض تلاميذ ابن آجطا ورواة شرحه:
ومن أهم تلاميذ أبي محمد بن آجطا "الشيخ الأستاذ المقرئ المكتب أبو الحسن علي بن يخلف المديوني الشهير بابن جزو(٥) و"هو من شيوخ أبي زكريا السراج، ذكره في مشيخته في فهرسته ووصفه بما ذكرنا وقال:
"قرأت عليه الكتاب العزيز بقراءة ورش، وأشك في إكمال الختمة، وغالب ظني أني أكملتها، وبدأت أخرى لقالون، وبلغت منها إلى سورة سبأ، وسمعت من لفظه أبعاضا من كتاب "مورد الظمآن" للأستاذ أبي عبد الله الخراز، وأخذت عنه مسائل في الرسم وغير ذلك.
(١) - ينقل أيضا إلى جانب ما ذكر عن شرح العقيلة للسخاوي وشرحها أيضا لأبي بكر بن عبد الغني اللبيب وعن الهداية في التفسير لمكي بن أبى طالب وشرح الجمل للزجاجي لأبي الحسين عبيد الله بن أبي الربيع وغيرها.
(٢) - هو الشيخ أبو عبد الله محمد بن قاسم بن محمد بن علي الملقب بالقصار الأندلسي الغرناطي القيسي ثم الفاسي الدار قدم جده إلى فاس عند استيلاء العدو على غرناطة سنة ٨٩٧، توفي المترجم سنة ١٠١٢ – نشر المثاني ١/٨٦.
(٣) - القراء والقراءات بالمغرب لسعيد أعراب: ٤٥.
(٤) - نفسه ٤٥.
(٥) - كذا بالجيم في فهرسة السراج (مخطوطة).


الصفحة التالية
Icon