ومثل هذا النوع كثير في قراءة نافع نحو "ولولا دفع الله الناس"(١)، و"ان الله يدفع عن الذين آمنوا"(٢)"ولولا ألقي عليه أسورة من ذهب"(٣)، "وأن يصلحا بينهما صلحا"(٤).
ولهذه العلة من اختلاف الرواية عن الرسم في طائفة من حروف القرآن، كان لا بد من أن يقوم صاحب القراءة بالتنصيص على قراءته في تلك الحروف وتحديد كيفية التأتي لرسمها، دون خروج كبير أو تام عن مصحف الجماعة، وقد مر بنا كيف عاب يحيى بن أكثم قراءة "ليهب لك" في سورة مريم يالياء، ذهابا منه إلى مخالفتها في ظاهرها لخط المصحف لأنها مرسومة هكذا "لأهب" وظاهرها مخالف للقراءة الأخرى.
وقد ظهر في كل مصر من الأمصار إمام روى ما ورد في مصحف بلده، إذ أن أئمة القراءة كانوا يروون رسم الكلمات إلى جانب روايتهم للقراءة.
وكما كانت مدينة رسول الله ـ ﷺ ـ دارا للسنة، كانت قبل ذلك ومعه دارا للقرآن قراءته ورسمه، فكان ممن روي عنهم الرسم من أهل المدينة عبد الرحمن بن هرمز الأعرج (ت ١١٧- أو ١١٩) نزيل الأسكندرية(٥)، إلا أن إمام المدينة في الرسم هو نافع بن عبد الرحمن ابن أبي نعيم أبو رؤيم أحد القراء السبعة الأعلام"(٦).
لقد كان نافع من أوائل من دونوا هذا الاختلاف بين مقتضيات الرواية والرسم المصحفي الإمام، ووصفوه لتلامذتهم، ووقفوهم على ما هنالك من خصوصيات ينبغي معرفتها والتنبيه على أي خلاف ملحوظ بينها وبين مقتضى الرواية المتواترة في القراءة، ويمثل في هذا الصدد الريادة المطلقة أو على الأقل يمثلها في المدينة المنورة، إذ كان أول من حدد رسم المصحف المدني، ووصفه ونعت ما امتاز به من خصوصيات.
(٢) - سورة الحج الآية ٣٦.
(٣) - سورة الزخرف الآية ٥٣.
(٤) - النساء الآية ١٢٧ – قرأ نافع "دفاع" و"يدافع" و"أساورة" و"يصالحا" كل ذلك بالألف.
(٥) - أشار إلى المقنع للداني ص ٤٠.
(٦) - كتاب رسم المصحف لغانم قدوري الحمد ١٦٤.
لم أر من ذكره في شراح المورد، لكني وقفت على شرحه هذا بخزانة أوقاف آسفي(١)، وقد ذكر في خطبته أنه وضعه مختصرا على شرح التبيان لابن آجطا، وصدر له بقوله:
"يقول العبد الفقير إلى رحمة مولاه، الغني به عمن سواه، أحمد بن علي بن عبد الملك الركراكي ـ عفا الله عنه ونفعنا به آمين:
"الحمد لله القديم السلطان، العظيم الشان، الذي لا يحويه مكان، ولا يصفه لسان، الذي جعل الإسلام أفضل الأديان، واصطفى محمدا من(٢) آل عدنان...
"وبعد فإني رأيت المتبدئين في الوقت اعتنوا بحفظ "مورد الظمآن" فصعب عليهم فهم معانيه لقصورهم في علم العربية واللغة، ولقلة شراحه، ولقد شرحه أبو عبد الله المجاصي شرحا لا يشفي عليلا، ولا يرد غليلا، وشرحه الإمام أبو عبد الله محمد بن عمر الصنهاجي(٣) المعروف بابن آجطا شرحا جليلا، قد حضر ناظمه وقرأ عليه، ولكن شرحه قليل الثمرة، طويل العبارة، كثير البحث، فرب أحد لا يقدر على تحصيله، لقصور فهمه في علم العربية الذي هو لرأس الفنون مفتاح...(٤)، لأن العلم لا يعني به اليوم إلا الضعفاء والفقراء، فرأيت أن أختصر بالكتابة شرح الألفاظ، وإتمام النقص، وتقييد المطلق بلفظ سهل مسترسل موجز ليسهل فهمه على المبتدئ والمنتهي غني عنه، إلا على وجه التذكرة".
(٢) - في الأصل على والصواب ما أثبتناه.
(٣) - هكذا قلب الاسم كنية والكنية اسما والصواب ما قدمنا في صدر شرحه.
(٤) - بياض بالأصل بعده قوله: لقل ما بيده، لأن العلم... إلخ، والبياض مما يتسع لنحو ست أو سبع كلمات.