وبمثل هذا العمل قام بعده القاسم بن سلام أبو عبيد (ت ٢٢٤) فيما يخص مصاحف أهل العراق. وقد لاحظ أئمة هذا الشأن وجود اختلافات جوهرية بين النمطين المدني والعراقي، وتتبعوها بالإحصاء والمقارنة، وعمدتهم في ذلك على عمل كل من نافع وأبي عبيد، وإلى هذا يشير الإمام الشاطبي في أول عقيلة أتراب القصائد بقوله:
" وبين نافعهم في رسمهم وأبي...... عبيد الخلف في بعض الذي أثرا
ولا تعارض مع حسن الظنون فطب | صدرا رحيبا بما عن كلهم صدرا(١). |
"يريد أن نافعا ـ رحمه الله ـ وقع بينه وبين أبي عبيد اختلاف في الرسم، وذلك أن أبا عبيد لم يخالف نافعا إلا في مواضع يسيرة أدركه فيها إيهام، كقوله: "رأيت في الإمام" ولات حين مناص"(٢)متصلة التاء بالحاء، وقد أنكر عليه ذلك وغيره مما سنذكره في مواضعه إن شاء الله"(٣).
ثم قال اللبيب في بيان منزلة نافع في هذا الشأن: "وذلك أن نافعا ولد بالمدينة، وقرأ بالمدينة، وأقرأ الناس بها بجميع القراءات، وعاش عمرا طويلا، ومات بالمدينة سنة تسع وستين ومائة، فكان المصحف الذي أعطى عثمان أهل المدينة لا يزال عنده، فيكثر مطالعته ومواظبته إياه حتى تصور في خلده، فلم تؤخذ حقيقة الرسم إلا عن نافع، وعنه أخذ الغازي بن قيس وعطاء...(٤)وحكم الناقط(٥)وغيرهم، وأبو عبيد إنما رأى المصحف مرة واحدة، ولكنه ذكر في كتابه المعروف بفضائل القرآن أنه تصفحه كله ورقة ورقة، فمن بقي ينظر عمره في مصحف كمن رآه في يوم أو يومين؟ فكان أبو عبيد ربما توهم في النقل"
(١) - عقيلة الأتراب للشاطبي – مجموع اتحاف البررة بالمتون العشرة ٣٢٠.
(٢) - سورة ص الآية رقم ٢.
(٣) - يعني في شرحه للعقيلة.
(٤) - في المخطوطة "عطاء بن يسار" والصحيح عطاء الخراساني كما سيأتي في أبيات مورد الظمآن للخراز
(٥) - سيأتي في أصحاب الغازي بن قيس القرطبي صاحب نافع.
(٢) - سورة ص الآية رقم ٢.
(٣) - يعني في شرحه للعقيلة.
(٤) - في المخطوطة "عطاء بن يسار" والصحيح عطاء الخراساني كما سيأتي في أبيات مورد الظمآن للخراز
(٥) - سيأتي في أصحاب الغازي بن قيس القرطبي صاحب نافع.
وأضفت إليه ما سمعته من شيخي المحقق الفاضل النبيه النبيل أبي عمران موسى بن محمد الجزولي(١) وقيدته عنه، وسميته "ري العطشان، في رفع الغطاء عن مورد الظمآن".
فينبغي لمحقق القرآن وكاتبه أن يصلح في كتابي هذا ما سهوت فيه، وما غفلت عنه...
وبعد سطرين قال: قال أبو عبد الله محمد بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله الأموي الشريشي – عفا الله عنه – هذا اسم الناظم – رحمة الله عليه – ونسبه – رحمه الله – وفي هذه المقدمة خمسة أسوله: الأول: لم قال ""قال "مع أنه لم يقل شيئا، فأتى بالماضي في موضع المستقبل ؟ الثاني: لم صغر نفسه، وتصغير النفس من باب الازدراء بها، والعالم المتفنن يجوز له الافتخار بعلمه شرعا ؟ الثالث: ما معنى الأموي؟ وما معنى الشريشي؟ الخامسة: ما معنى "عفا الله عنه ؟" ثم قال الجواب عن الأول...".
هذه طريقته في الكتاب يورد في أول الباب جملة من الأسئلة المحيطة بمباحثه ثم يأخذ في الإجابة عنها على الترتيب، على طريقة ابن القصاب التي أشرنا إليها في "تقريب المنافع" وطريقة الشوشاوي والكرامي وغيرهم من المتأخرين.
ومن نقوله عن شيخه المذكور قوله عند قول الخراز في الحذف:
ولا تخاف دركا يدافع... الحذف عنهما بخلف واقع:
(١) - هو كما يسميه داخل الكتاب أبو عمران موسى بن عمر بن شعيب الجزولي، ولعله المترجم عند الحضيكي في "مناقب الحضيكي ٢/١٣٨ فسماه وقال: "موسى أبو عمران الجزولي القارئ الأديب العالم الفاضل صاحب القصيدة المقصورة في بحر الطويل، ذكر فيها الحروف الثلاثة المعجمة في القرآن: الثاء والذال والظاء". وذكره محمد المختار السوسي في كتابه "رجالات العلم العربي بسوس" ١٧ وقال لعله سملالي، وتوفي لعله في أواسطه يعني القرن العاشر": ونحوه أيضا له في "سوس العالمة ١٧٩.