والذي يظهر أن في الروايتين خلطا بين المصحف الرسمي الذي كتبه عثمان لأهل المدينة وأمر زيد بن ثابت ـ كما قدمنا ـ أن يقرئ الناس بما فيه، وأمر أن يوضع في المسجد ويقرأ به في كل غداة كما تقدم، وبين مصحفه الشخصي الذي أمسكه لنفسه، وقتل وهو يقرأ فيه(١).
وسواء كان هذا أو ذاك، فإن نافعا كان مهيئا لأن يطلع على كل ما هو بالمسجد النبوي، سواء كان الموجود النسخة الأم أو كان غيرها، مما قد كتبه زيد بن ثابت أو سواه تعزيزا للمصحف الإمام، ويدل على هذا تعبير الإمام مالك بلفظ الجمع حين سئل عن إدخال بعض العلامات التي يستعان بها في الضبط ونحوه فقال: "أما الأمهات فلا أراه"(٢). ولا شك أنه يعني بها المصاحف الأصول المعتمدة بأيدي أهل المدينة.
على أن نافعا قد صح عنه انه نظر أيضا في مصحف عثمان الشخصي، وذلك ما أخرجه ابن أبي حاتم قال:
"قرأ علي يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، اخبرنا زياد بن يونس، حدثنا نافع بن أبي نعيم قال: أرسل إلي بعض الخلفاء مصحف عثمان ليصلحه، قال زياد: فقلت له: ان الناس ليقولون ان مصحفه كان في حجره حين قتل، فوقع الدم على "فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم"، فقال نافع: بصرت عيني بالدم على هذه الآية وقد قدم"(٣).
فيستفاد من هذا وقوف نافع على مصحف عثمان، سواء في نسخته المدنية التي كانت مودعة بالمسجد النبوي أم في النسخة الخاصة به، أو في غيرهما مما أخذ منهما، مما جعله مرجعا لأهل الأمصار في زمنه في معرفة هذا الشان والعلم به.
(٢) - المحكم ١١.
(٣) - نقله ابن كثير في تفسيره ١/٣٣٠.
كان مؤلفه حيا حول منتصف المائة الثامنة، ولعل شرحه من حيث الزمن الذي ألف فيه أقدم شرح للمورد على الإطلاق، وإن كانت عادة المؤلفين من شراحه أن ينسبوا الأولية في ذلك إلى أبي محمد بن آجطا، ولعلهم نظروا إلى ابن آجطا بدأ تأليفه المذكور في حياة الناظم وفاوضه في طائفة من مسائله، إلا أنه انقطع عن إتمامه إلى سنة ٧٤٤ كما تقدم.
أما المجاصي هذا فقد أدرك عهد الخراز، إلا أنه لم يذكر لقاءه له، ولعله يومئذ كان في طور التعليم الأولي، بالإضافة إلى أنه كان مقيما بتازة لا بفاس وبها أخذ عن أبي الحسن بن بري ** كما سيأتي في ترجمته في أصحاب ابن بري -، ولعل أول عمل قام به في التأليف هو شرح أرجوزة "الدرر اللوامع" لشيخه المذكور كما سيأتي، ثم كتب على المورد شرحين أحدهما في الرسم، والثاني في الضبط، وقد انتهى من كل منهما في سنة ٧٤٣، وبهذا يكون قد سبق ابن آجطا بإتمام تأليفه بنحو السنة، إلا أن استعمال هذا الشرح قد ظل قليلا، ولعل هذا سبب ندرة نسخه الخطية في الخزائن(١). وسيأتي ذكر ترجمة المجاصي وجملة آثاره.
٦- شرح مورد الظمآن لأبي عبد الله محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى بن جابر الغساني المكناسي الدار (ت ٨٢٧)(٢). ذكره له صاحب "الإتحاف" باسم "تأليف في رسم القرآن"(٣)، وذكر بعض الباحثين وجود تقييدات من شرحه المذكور بخزانة دار الكتب الناصرية بتمكروت تحت رقم ٣٠٠٣(٤).
ووقفت على النقل عنه في التقييد التالي على مورد الظمآن لمحمد العربي بن محمد الكومي الغماري مما قيده عن شيخه أبي عبد الله بن مجبر بمدينة فاس، وقد جاء فيه تعليقا على قول الخراز:
(٢) - هذا ترتيب نسبه كما جاء في الإتحاف لابن زيدان ٣/٥٩٠.
(٣) - الإتحاف ٣/٥٩٢.
(٤) - ذكرها الأستاذ محمد المنوني في "دليل مخطوطات دار الكتب الناصرية – بتمكروت ص ٢٠٢ وناقلها غير مذكور".