ومن متممات هذا العلم الأوضاع الملحقة به التي اصطنعها العلماء لضبط حروف القراءة في المصحف، باستعمال علامات دالة على كيفية النطق والأداء، وتمييز الحركات والسكنات، وأحوال التنوين والهمز والإظهار والإدغام والإمالة وغير ذلك من الأحكام الضبطية والأدائية.
وقد أثر عن نافع الجمع في طريقته في "هجاء السنة" بين مرسوم الخط وكيفية نقطه وضبطه.
وسيأتي أخذ الغازي بن قيس القرطبي في رحلته إليه لهذا الرسم والضبط، وكيف جمع ذلك كله في كتاب سماه هجاء السنة"، "وصحح مصحفه على مصحف نافع ثلاث عشرة مرة، وتلقى عنه اختياره"(١).
وذلك معناه أنه حدد رسم مصحفه على الطريقة المدنية بالرواية عن نافع، كما حدد كيفية القراءة حسب اختيار نافع، وذلك عن طريق علامات النقط والشكل التي كان أهل المدينة قد اخذوا بها، مستعملين في ذلك مجموعة من الأصباغ الخاصة للتمييز بين مختلف علامات الضبط، ولئلا تلتبس بالرسم الأصلي المرسوم في المصحف الإمام، الذي حافظوا على كتابته بالسواد، وهكذا كانوا "يكتبون الحركات نقطا"(٢)بالحمرة، والهمزات بالصفرة، وألفات الوصل المبتدأ بهن بالخضرة، والصلات والسكون والتشديد بقلم دقيق بالحمرة"(٣).
وقد شهد نافع هذا الطور من أطوار تحقيق الرسم وتحرير أساليب الضبط، وكان في المدينة من رواد هذه الطريقة التي اقتبست معالمها ـ كما قدمنا ـ عن متقدمي علماء البصرة، إذ كانوا المبتدئين بالنقط والسابقين إليه.
ويدل على شهود نافع لهذا الطور، إسهامه هو أيضا مع المتسائلين عن مدى مشروعية إدخاله في المصحف وقد أسند أبو عمرو الداني من طريق سحنون عن عبد الله بن وهب قال: حدثني نافع بن أبي نعيم قال:
(٢) - كانوا يستعملون الشكل المدور بدل الحركات كما قدمنا.
(٣) - هذا وصف مصحف حكم بن عمران صاحب الغازي بن قيس ناقط أهل الأندلس كما وصفه الداني في المحكم ٨٧.
من آل عمران إلى الأعراف | على وفاق جاء أو خلاف |
أما مؤلفه أبو عبد الله بن جابر فهو من أكابر علماء مكناسة في زمنه، وقد عرف به الإمام ابن غازي في "الروض الهتون" فقال: "ومنهم الأستاذ المقرئ الشاعر المجيد المحسن شيخ سيوخنا: محمد بن جابر الغساني ذو التصانيف الحسان، والقصائد العجيبة"... ثم ذكر جملة من مؤلفاته(٢).
وأفاض في ترجمته صاحب "الإتحاف"، وذكر جملة من شيوخه منهم أبو عبد الله محمد بن علي الذكواني الأندلسي وابن قاسم بن داود السلوي، والشيخ الإمام محمد بن علي المراكشي المعروف بابن عليوات، والشيخ الفقيه أبو العباس أحمد بن يحيى ابن عبد المنان وسواهم، وسمى طائقة من تلامذته ومؤلفاته: وذكر نماذج حسنة من شعره(٣). وقد وصل إلينا من بقايا إنتاجه في علوم القراءات طرف من استدراكاته على ابن بري – وسيأتي – وجملة استدراكاته على أبي عبد الله الخراز، وهي أرجوزة استدرك بها عليه في ٤٧ موضعا، وتقع في ١٠٩ بيت، ويطلق عليها في كتب الفهارس "إصلاحات ابن جابر"، ويسميها بعضهم خطئا "اصطلاحات ابن جابر"(٤)،
(٢) - الروض الهتون ٥٧.
(٣) - إتحاف أعلام الناس لابن زيدان ٣/٥٩٠-٥٩٤.
(٤) - وردت باسم "اصلاحات" في "فهرس مخطوطات خزانة القرويين" ٣/١٦٧ ورقمها بالخزانة ٩/١٠٥٥ – وبلفظ "اصطلاحات" في "دليل مخطوطات دار الكتب الناصرية بتمكروت" ص ٩٥ وهي مسجلة تحت رقم ١٦٠٢ في مجموع، ولم يذكر فيها الناظم كما قال.
ووردت في فهرسة مخطوطات خزانة تطوان ٥١ بلفظ "تقييد إصلاحات على مورد الظمآن"، وقال : أرجوزة حاذى بها الناظم "مورد الظمآن"، وكمل بها بعض ما سكت عنه الخراز في أبيات عددها ١٠٠ بيت، وأولها: في هذه النسخة قوله: منها الذي ورد في نص الخبر.... وهي البداية نفسها في المخطوطة التي وفقت عليها بمراكش في خزانة خاصة، إلا أن نسخة خزانة تطوان تنقص عنها بتسعة ابيات، و تنتهي بقوله في آخرها:
وصورت في لأهب والهمزة (كذا) | لأجل أن خصت بشكل الفتحة" |