"سألت ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن شكل القرآن في المصحف، فقال: لا بأس به"(١).
ولربما كان هذا السؤال منه في طور التلقي قبل أن يتوسع مع رواد حلقته في الأخذ به وضبط اختياره عليه، وقد تبين لطائفة من الفقهاء يومئذ، وأكثرهم من القراء ـ رجحان المصلحة في السماح بإدخال نظام الشكل في ضبط القراءات في المصاحف، والمساعدة على النطق السليم بحروف القرآن مجودة ومعربة، لما في ذلك من التيسير على المتعلمين من جهة، ولما فيه من تحديد للرواية المقروء بها، مع التحرز عن الخطأ واللحن، وكان الإمام مالك بن أنس يسأل عن ذلك كثيرا، وربما كان يضيق من كثرة ما ظل يسأل عن هذا فيقول:
"لا يزال الإنسان يسألني عن نقط القرآن، فأقول له: "أما الإمام من المصاحف فلا أرى أن ينقط، ولا يزاد في المصاحف ما لم يكن فيها، فأما المصاحف الصغار التي يتعلم فيها الصبيان وألواحهم فلا أرى بأسا"(٢).
وقد احتفظت بعض المصنفات المختصة بقائمة طويلة من الروايات عن بعض أصحاب نافع في رسم المصحف رواية عن نافع نكتفي منها هنا بذكر أمثلة مع الإشارة إلى مظانها لمن أحب المزيد.
فمن ذلك ما أسنده الداني في كتاب المقنع من طريق عيسى بن مينا قالون عن نافع بن أبي نعيم القارئ قال:
"الألف غير مكتوبة ـ يعني في المصاحف ـ في قوله في البقرة: "وما يخدعون"(٣)"وإذا وعدنا"(٤)"ووعدنا موسى"(٥)"ووعدنكم"(٦)حيث وقعن، و"فأخذكم الصعقة"(٧)"وتشبه علينا"(٨)..... وساق عددا كبيرا من أول القرآن إلى آخره مرتبا على السور(٩).
(٢) - المحكم: ١١.
(٣) - سورة البقرة رقم الآية ٨.
(٤) - البقرة الآية رقم ٥٠.
(٥) - سورة الأعراف الآية رقم ١٤٢.
(٦) - سورة طه الآية رقم ٧٨.
(٧) - سورة البقرة الآية رقم ٥٤.
(٨) - سورة البقرة الآية رقم ٦٩.
(٩) - المقنع في معرفة مرسوم أهل الأمصار ١٠-١٥.
وهي مأخوذة من شرحه المذكور، ولأهميتها في التنبيه على مكانته في هذه المدرسة نوردها بنصها كما وقفنا عليها في بعض الخزائن الخاصة، وسأثبتها كما وردت بما فيها من التسلسل الذي جعله الناسخ في أول كل استدراك. وهذه صورة الديباجة التي صدر لها بها، وتليها الأرجوزة أو التقييد كما جاء في هذه المخطوطة:
تقييد فيه إصلاح(١) الشيخ الأستاذ العالم المحقق أبي عبد الله محمد بن جابر الغساني على أبي عبد الله الخراز – عفا الله عنا وعنهما، وغفر لنا ولهما – نقلها بعض النبلاء من شرح ابن حابر المذكور على "مورد الظمآن" لأبي عبد الله الخراز، وجعلها مرتبة على حسب ترتيب النظم وإصلاحه(٢)
الأول:... منها الذي ورد في نص الخبر... لدى أبي بكر الرضيّ وعمر
الثاني:... وجاء في الحرفين نحو الصادقات... الحذف عنهما ونحو القانتات
وأثبت التنزيل فيها الأولى | لكن حذفه كثيرا نقلا |
والخلف للداني أيضا وقعا | مع اشتهار الحذف فيهما معا |
وعنهما الحكم كذلك اطرّدا | في كل ما همز أو ما شددا |
وكل ما بقي منه ثبتا | عند أبي داود كيفما أتى |
وصالح علما قل ومالك | وخالد وصفا أتى كذلك |
وحذف التنزيل أيضا صالح | إذا أتى وصفا، وهذا لائح |
وجاء في التنزيل لفظ الفاتحين | على انفراده ولفظ الغافرين |
واختار فيه ابن نجاح الحذفا | من بعد ما نقل فيه الخلفا |
(٢) - في الأصل "أول اصطلاحه".
(٣) - كذا في الأصل، وفيه إقواء القافية.