من كان يخضب جيده بدموعه... فنحورنا بدمائنا تنخضب(١)إلى آخر القطعة. وسوف يمر بنا ـ بعون الله ـ من خلال استعراضنا لتراجم طائفة من قراء الصدر الأول مقدار ما أسهم به طائفة من القراء الذين كانوا يقيمون في هذه الربط الجهادية في إثراء حركة الإقراء فيها، واستغلال وجودهم وتفرغهم بها في تخريج الطلاب وشداة القراء، ابتداء مما نقرؤه في أخبار الفتوحات، ومرورا بالعهود التالية التي اقتضت من الأمراء والولاة إقامة حاميات عسكرية في الثغور كان القراء والمعلمون في طليعة من يبادر إلى المرابطة فيها متطوعين ومحتسبين.
وفي هذا الصدد تستوقفنا إشارات مشرقة في تراجم بعض القراء الذين لهم صلات وثيقة بموضوع بحثنا، منها ما جاء في ترجمة شيخ الإمام نافع عبد الرحمن بن هرمز الأعرج من أنه خرج إلى الأسكندرية مرابطا في آخر حياته، إلى أن أدركته الوفاة بها سنة ١١٧ أو بعدها(٢).
ومنها ما نقرؤه في ترجمة صاحب ورش أبي يعقوب يوسف الأزرق من أنه في أثناء قراءته عليه كان يقرأ بطريقة "التحقيق"، وكان يقرأ عليه بطريقة "الحدر"(٣)إذا رابط معه بالأسكندرية"(٤).
ونقرأ نحوا من ذلك في ترجمة أبي الأشعث عامر بن سعيد ـ أو سعير ـ من أنه "رابط للغزو سبعين عاما، وأنه كان مرابطا بثغر "المصيصة" من سواحل الشام، وبها كان يقصده القراء في رواية ورش ليعرضوا عليه(٥).

(١) - القطعة بتمامها في طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ١/١٨٧.
(٢) - غاية النهاية ١/٣٨١.
(٣) - هو بمعنى سرعة القراءة وسيأتي بيانه.
(٤) - غاية النهاية ٢/٤٢٠ ترجمة ٣٩٣٤.
(٥) - ترجمته في غاية النهاية ١/٣٤٩-٣٥٠ ترجمة ١٤٩٩ وسيأتي.

ومع هذا التحديد فقد وقع فيها تفاوت واختلاف بين النسخ وفي كتابات بعض الباحثين(١).
ولا يبعد أن يكون قد زاد فيها بعض الأبيات على سبيل الاستدراك، كما لا يبعد أن يكون بعض ذلك من زيادات بعض القراء، فقد ذكر أبو عبد الله بن الأبار مثلا في ترجمة المقرئ صاف بن خلف بن سعيد بن مسعود الأنصاري من أهل أريولة أن "له زيادة في قصيدة أبي الحسن الحصري المنظومة في القراءات مستدركا عليه(٢) وهو قوله:
سواكن لا تحريك عند اتصالها ولا صورة في الرسم والخط بالحبر
خلا قوله "أتاني الله" إنها محركة بالفتح في الوصل والمر(٣)
فهذا الاستدراك ونحوه مما قد يتسامح بعض النساخ فيلحقه بالأصل، وسوف أنبه على ما وقفت عليه من أمثلة ذلك في باب الراءات بعون الله، كما أشير إلى أن البيت الأخير في أكثر النسخ التي اطلعت عليها في أيدي الطلبة هو قوله:
نفعت بها قبل الممات وبعده يحط بها الأوزار ربي عن ظهري
بينما وفقت في نسخ عديدة على زيادة بيت بعده يظهر أن الناظم استدركه بعد تمامها وهو قوله:
وقد بقيت علاتها في مسائل وهل هي إلا قطرة من ندى عمري
نسخ القصيدة الخطية:
(١) - ذكر بروكلمان في تاريخ الأدب ٥/١٠٦ في مؤلفات الحصري قصيدة رائية في ٢١٢ (٢١٥) بيتا من الطويل ـ كذا ذكر مشيرا إلى بعض نسخها ببرلين تحت رقم ٦٤١. وذكر الزركلي في الأعلام ٥/١١٤ـ١١٥ أيضا أن عدد أبياتها ٢١٢ وذكر هذا العدد صاحب الحركة العلمية في سبتة ص ١١٢ بالهامش رقم ٣. ولعل هذه الزيادات مما زاده بعض الرواة عليها كما في التكملة ٢/٧٦٧.
(٢) - هذا الاستدراك واقع في آخر باب الزوائد من آخر قصيدة الحصري، ويناسب أن يكون بعد آخر بيت من أحكام زوائد ورش وقالون، وهي الياءات المحذوفة من الرسم الزائدة في اللفظ وصلا، أي عند قول الحصري:
... علامتهن الحذف في وقف قارئ...... عليهن والإثبات في وصل ذي حدر
(٣) - التكملة ٢/٧٦٧ ترجمة ١٨٩٤.


الصفحة التالية
Icon