ومعنى قوله "وتخليص بعضها: "امتلاكه القدرة على تمييز دقائق الفروق بين المعاني، وذلك لا يختص بمعرفة رؤوس الآي وحدها، بل يشمل المعرفة بفواصل الكلام، ولذا نبه العلماء على الفرق بينهما، فقال أبو عمرو الداني: "الفاصلة هي الكلام المنفصل عما بعده، والكلام المنفصل قد يكون رأس آية، وغير رأس، وكذلك الفواصل يكن رأس آية وغيرها، وكل رأس آية فاصلة، وليس كل فاصلة رأس آية"(١).
لهذه الدقائق كان أئمة الإقراء من السلف يعنون بهذا العلم، ولا يعترفون للطالب بتحصيل القراءة على وجهها، ولا يجيزونه بها، إلا إذا تمكن من قواعده كل التمكن(٢). إذ لا سبيل إلى القراءة الصحيحة إلا به، ولذلك وصف بأنه "حلية التلاوة، وزينة القارئ، وبلاغ التالي، وفهم للمستمع، وفخر للعالم، وبه يعرف الفرق بين المعنيين المختلفين، والنقيضين المتباينين، والحكمين المتغايرين، وقال أبو حاتم:
"من لم يعرف الوقف لم يعرف القرآن"(٣).
وقد كان علماء الصدر الأول يجعلون العلم بهذا الشأن من أوليات ما ينبغي أن يؤخذ به الطالب، فقد جاء فيما روى عياض بسنده عن عبيد الله بن جناد قال:

(١) - نقله في الإتقان ٢/٩٧ ونحوه في النشر ١/٢٢٦-٢٢٧.
(٢) - ينظر في ذلك النشر ١/٢٢٥ ولطائف الإشارات للقسطلاني ١/٢٤٥.
(٣) - لطائف الإشارات ١/٢٤٩.

٧- شرح مورد الظمآن أو "مجموع البيان في شرح ألفاظ مورد الظمآن" لأبي الحسن علي بن الحسن بن أبي العافية التروالي الزرهوني، ولم أقف على تاريخ وفاته، إلا أنه في الغالب من أهل الثامنة أو أول التاسعة، وقد جاء ذكره في كلام ابن غازي (ت ٩١٩) في تقييد طرر لابن مجبر صاحب ابن غازي في حديثه عن إثبات "خالدين وصالحين" بالتثنية قال: "ذكره التروالي وحققه، وأغفله أبو محمد بن آجطا"(١).
وتوجد من هذا الشرح نسخ عديدة متفرقة في الخزائن(٢)، وقد وقفت على نسخة منه بخزانة أوقاف آسفي فيها بتر من آخرها، ومن قراءة مقدمته يتبين أنه عبارة عن مسودة شرح ألفه مؤلفه التروالي لكنه لم يتول تحريره بنفسه، وهذه مقدمته تبين ما قدمنا، يقول مقيده:
"الحمد لله الذي هدانا للإيمان والإسلام، وجعلنا من أمة محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ وفضلنا به ـ ﷺ ـ على جميع الأنام، وخصنا بوحيه الذي أنزل عليه، وبين فيه الحلال والحرام...
(١) - تقييد طرر على المورد لابن مجبر وسياتي.
(٢) - ومنها نسخة في خزانة القرويين برقم ١٠٥٥ في مجموع (وصفت النسخة في فهرسة الخزانة ٣/١٦٦). ومنها نسخة بالخزانة الناصرية بتمكروت في مجموع برقم ١٦٨٩ (دليل مخطوطات دار الكتب الناصرية بتمكروت المنرني ١٠٥). ونسخة بخزانة أوقاف آسفي وهي غير متداولة، ونسخة بالمكتبة الوطنية بتونس برقم ٥٣٠م.


الصفحة التالية
Icon