"عرضت لابن المبارك فقلت: أمل علي ـ يعني الحديث ـ فقال: أقرأت القرآن؟ فقلت: نعم، فقرأت عشرا، فقال: هل علمت ما اختلف الناس فيه من الوقف والابتداء؟ قلت: أبصر الناس بالوقف والابتداء، فقال: مدهامتان"(١)؟ فقلت له: آية(٢)قال: فالحديث سمعته من أحد غيري؟ قلت: نعم، قال: فحدثني، فحدثته بأحاديث في المناسك، فقال: أحسنت، هات ألواحك..."(٣).
ذلك كان شأنهم في البداية بالأولويات، وكان العلم بقواعد الوقف والابتداء مما يولونه مزيدا من العناية، قال ابن الجزري ": "وصح بل تواتر عندنا تعلمه والاعتناء به من السلف الصالح، كأبي جعفر يزيد بن القعقاع إمام أهل المدينة الذي هو من أعيان التابعين، وصاحبه الإمام نافع بن أبي نعيم، وأبي عمرو بن العلاء، ويعقوب الخضرمي، وعاصم بن أبي النجود، وغيرهم من الأئمة، وكلامهم في ذلك معروف، ونصوصهم عليه مشهورة في الكتب"(٤).
ولم يقتصر كل من يعقوب الحضرمي ونافع بن أبي نعيم على العناية بالجانب الوظيفي من هذا العلم بتصحيح قراءتهما، وأخذ المتعلمين عليهما به عند التعلم والعرض عليهما، وإنما تجاوزا هذا المستوى إلى تحديد لمواقع الوقف في جميع القرآن، والنص على مواضع الوقف التام منها، والتأليف في ذلك.
وإلى ريادة نافع ويعقوب الحضرمي ( ٢٠٥هـ) في التأليف فيه يشير العلامة أبو جعفر النحاس بقوله:

(١) - سورة الرحمن الآية رقم ٦٤.
(٢) - هي آية بإجماع، بل قال أبو عمرو الداني: "لا أعلم كلمة هي وحدها آية، إلا قوله "مدهامتان" ذكره السيوطي في الإتقان ١/٦٦ وتعقبه بكلمات هي أيضا آيات نحو والفجر، والعصر، والضحى، ولعل الداني يقصد الكلمة بالمفهوم النحوي، أما ما استدركه السيوطي ففيه الواو كلمة وهو من حروف المعاني، ثم بعده الكلمة المقسم بها.
(٣) - نقله عياض في الغنية ١٠٣-١٠٤.
(٤) - النشر ١/٢٢٥ ونقله السيوطي في الإتقان ١/٨٣.

وبعد، فإني ألفيت نسخة من رجز الأستاذ أبي عبد الله الخراز ـ جعله الله ذخيرة ووسيلة ليوم البراز، متبرزة بكلام حسن الاختصار والإيجاز، والعبارة بليغة سليمة من الإشكال والإعواز، ألفيته منسوبا لإمام المحقيقين، وتحفه المتصدرين، حجة الغرب، السامي الرتب، سيدي أبي الحسن علي، الإمام الحبر الولي، المدعو بالتروالي لقبا، المعروف بالزرهوني نسبا، وأردت أن أجمعه لنفسي، ولمن شاء الله من أبناء جنسي، فاستأذنته ـ رحمه الله تعالى ـ في جمع ذلك، إذ كان ـ رضي الله عنه ـ أوضح المسالك، فاذن لي في جمعه، ووعدني بتصحيحه وعرضه، لكون ذلك مفرقا في النسخة، فاستخرت الله في جمع الجواهر والدرر، ليكون تبصرة للمبتدي، وغاية للمنتهي، فلم أراجعه إلى أن توفي، وكانت وفاته ـ رحمه الله قريبة من الوعد الذي وعدني فيه بتصحيح المجموع له، وكنت حين وعدني قد استغرقت جميع الأوقات في حجج الناس والمشي إلى القضاة(١) إلى أن وفقنا الله لترك ذلك، فلله الحمد على ما أتم وأنعم... إلى أن أكملته بعون الله على ما وجدت قدرا وجهدا. ثم ذكر بعض ما استعان به من المصادر فقال:
"ونقلت بعض ما أعرض عنه أبو إسحاق من "التبيان"(٢)، لأجل العطف(٣) والإيضاح والبيان، وما اختلف فيه القراء من القراءة لإكمال الفائدة بمعرفة الروايات، وسميته بـ"مجموع البيان، في شرح ألفاظ مورد الظمآن" ثم بدأ بعد الدعاء أن يجعل الله تأليفه هذا خالصا لوجهه فترجم لأبي عبد الله الخراز بعد أن ذكر منزلة رسم القرآن وأهميته، وأن أجل ما ألف وصنف فيه قصيدة "مورد الظمآن"، ومما قال عن الخراز بعد أن ساق اسمه ونسبه على نحو ما قدمنا: قال الشيخ أبو الحسن ـ يعني المؤلف ـ: هكذا في نسخة المؤلف ـ يعني الخراز ـ.
(١) - يظهر أن جامعه كان يشتغل بكتابة الوثائق العدلية.
(٢) - سياتي التعريف بالمراد بأبي إسحاق وكتابه المذكور.
(٣) - كذا.


الصفحة التالية
Icon