ولعل مذهب نافع في اختياراته في هذا الموضوع قد استفاده العلماء من كتابه في الجملة، فقال أبو علي الأهوازي مبينا لمذهبه ومقارنا بينه وبين باقي السبعة:
"الوقف عند نافع وابن كثير وابن عامر حيث يتم، وعند أبي عمرو وعاصم حيث يحسن، وعند حمزة حيث يتفق"(١).
ولا شك أن هذا التقويم للإمام الأهوازي صادر عن علم بحال قراءة كل إمام من أولئك السبعة وخصوصياتها في الأداء، من حدر أو تدوير أو تحقيق، لما بين هذه المراتب في الأداء وبين الوقف والابتداء من ارتباط(٢).
وقد ذكر الإمام ابن الجزري بخصوص قراءة نافع واختياراته في أدائها، انه "كان يراعي محاسن الوقف والابتداء بحسب المعنى، كما ورد عنه النص بذلك"(٣).
وهذه منه إشارة إلى اختياره في ذلك نمطا خاصا، حاول رسم معالمه من خلال تأليفه المذكور.
خامسا: معرفة العدد ومواضع رؤوس الآي
ومن العلوم الفرعية التي اهتم بها نافع وكان من روادها، علم عدد الآي ومعرفة الفواصل، وذلك لما له من مزية في التمييز بين المعاني، ولما ينبني عليه من احكام أخرى تعود إلى احكام القراءة وإتقان التجويد، ورعاية مواقع الوقف التام والكافي والحسن، وقد دافع الإمام أبو القاسم الهذلي في كتابه "الكامل في القراءات" عن هذا العلم ومنافعه فقال:

(١) - نقله ابن القاضي في كتاب "القول الفصل في اختلاف السبعة في الوقف والوصل" (مخطوط).
(٢) - يراجع ما بينهما من ارتباط في النشر ١/٢٣٨-
(٣) - النشر ١/٢٣٨.

ثم أخذ في الإجابة عن الأسئلة على الترتيب واحدا واحدا إلى أن فرغ منها، وقال: قال الناظم: "الحمد لله العظيم المنن... "وفي هذا الصدر عشرون تنبيها: ما معنى "الحمد ؟" وما الفرق بينه بين الشكر ؟ وما الفرق بينه وبين المدح ؟ وما الفرق بينه بين الثناء ؟ وما أقسامه ؟ وما فائدة التقسيم ؟... إلى أن أتى على هذه الأسئلة العشرين، ثم أخذ في الإجابة عنها، وهكذا سار على هذا المنهاج في الكتاب كله يعتمد تحليل مباحث كل باب إلى مجموعة من الأسئلة، ثم يأخذ في الإجابة عنها موجزا آنا ومتوسعا آخر، وربما توقف عند بعض أبيات الناظم متعقبا له أو مستدركا.
وقد امتاز الشوشاوي بتقديم بعض الإحصائيات لتحقيق بعض الحروف وعددها الإجمالي، كقوله في أول باب الحذف عند قول الخراز:

باب اختلافهم والاضطراب... في الحذف من فاتحة الكتاب


قال الشوشاوي: "وعدد ألفات القرءان على قراءة نافع ثمانية وأربعون ألفا وسبعمائة وأربعون ألفا، وعدد الياءات خمسة وعشرون ألفا وتسعمائة وتسع ياءات، وعدد الواوات خسمة وعشرون ألفا وخمسمائة وست واوات(١). ثم قال في بيان فائدة الحذف: "فلو أثبت هذه الحروف كلها في المصحف لكان المصحف كله ألفات وياءات وواوات.
ومن استدراكاته على الخراز في المستثنيات من الحذف قوله بعد قول الخراز:
من سالم الجمع الذي تكررا... ما لم يكن شدد أو إن نبرا
وينبغي أن تزاد هذه الأبيات هُنا بعد قوله: "ما لم يكن شدد أو إن نبرا"
وما تصدر من الجموع... بهمزة شهر في المسموع
(١) - هذه الأعداد الخاصة بقراءة نافع ذكرها أيضا في كتابه "الفوائد الجميلة على الآيات الجليلة" ٣٥٣ ولم يشر هنا ولا في الفوائد عن مصدره مما يدل على أنه إحصاء من عمله غالبا، لأنه عندما ذكر عدد حروف القرءان على سبيل الإجمال نسب ذلك إلى أبي حامد الغزالي في كتاب الأحياء – الفوائد الجميلة ٣٥٢. ثم وقفت على كتاب كشف الغمام للمنبهي فوجدته قد سبقه إلى ذكر هذا الإحصاء.


الصفحة التالية
Icon