فهكذا اعتبر ابن الجوزي أبا جعفر وشيبة ونافعا جميعا من أهل المدني الأخير، إلا أنه مع ذلك يذكر مخالفة نافع لهما في بعض المواضع، كالمثالين اللذين ذكرنا، وهذا يدل على وقوع الخلاف بين الثلاثة المدنيين سواء في العد الأول أو الثاني، إذ الأمر في مثل هذا الخلاف كالأمر في اختلاف القراءات سواء بسواء(١)
ومهما يكن فالذي يعنينا هنا بصفة خاصة بيان مستوى الريادة أو المشاركة فيها على الأقل بالنسبة لنافع في دراسة هذا الفن والاهتمام به ضمن اهتماماته الأخرى بعلوم القراءة واستمداداتها المختلفة. بل انه لم يكتف في هذا العلم بالرواية والنقل الشفوي، وانما زاد على ذلك بتدوينه وتحديد معالمه في كتاب كان يروى عنه سماه العلامة ابن النديم "العدد المثاني"(٢).
ولعل هذا الكتاب هو المتضمن لما انتهى إليه في دراسته للعدد، والذي ذكر أبو عمرو الداني أن عامة المصريين رووه عن ورش عن نافع"(٣). وقد ضمنه ما انتهى إليه من العدد بعد الدرس والتحرير، ومن هنا جاءت مخالفته في بعض المواضع لشيخيه ـ كما أسلفنا ـ سواء في العد المدني الأول أم في العد الأخير.
إلا أن الخلاف بينهم في الجملة كان يسيرا جدا، حيث اتفقوا على الجملة الكبرى، وهي ستة آلاف ومائتا آية ثم اختلفوا في الزيادة "ففي المدني الأول سبع عشرة، وبه قال نافع، وفي عدد المدني الأخير أربع عشرة عند شيبة، وعشر عند أبي جعفر"(٤)وقد لخص أبو عمرو الداني هذا في المنبهة بقوله:

"وجملة الآيات في التجميل ستة آلاف على التحصيل
ومائتان، ثم زاد المكي عشرا وتسعا ذاك دون شك
ثمت زاد المدني الأولي على حساب المجمل المفصل
(١) - ينظر في سبب وقوع الخلاف في العدد فنون الأفنان ٣٩-٤٠ وجمال القراء للسخاوي ١/٢٣١-٢٣٢.
(٢) - الفهرست ٦١.
(٣) - النص تقدم من نقل النوري في غيث النفع ٢٨٨.
(٤) - نقله الزرقاني في مناهل العرفان في علوم القرآن ١/٣٣٦.

ثم أخذ يذكر صنيعه في التأليف وتحريره لمباحثه وما بذل في ذلك من جهد، وانتقل إلى التعريف بالناظم وآثاره نقلا عن أبي محمد بن آجطا الشارح الأول للمورد، وبعده شرع في غرضه من تحليل معاني الأبيات.
وقد استفاد في شرحه كثيرا من شرح ابن آجطا خاصة، كما كان يرجع إلى الأصول التي اعتمدها الناظم في المورد كالمقنع والتنزيل والعقيلة، وأحيانا كان يرجع إلى كتاب "التبيان" للتجيبي(١)، وقد ذيل شرحه بخاتمة سرد فيها ما انفرد التجيبي بحذفه من الألفات، وسيأتي ذلك في التعريف بالتجيبي وكتابه.
وقد استوفى مباحث الفن كما ينبغي، ومع هذا فقد ختم شرحه معتذرا عما كان منه من إخلال أو عدم استيفاء لوجوه الاحتمال، أو سهو أو غيره من الهفوات، فقال في آخر عباراته:
"هذا آخر ما تيسير من "فتح المنان، المروي بمورد الظمآن"، لم آل في تلخيصه وتهذيبه جهدا، ولم أنقض فيما اشترطت من تحريره عهدا، ولقد أودعته من النقول، والاستدلال المقبول، ما يسمو بمطالعه عن ربقة التقليد، إلى ذروة التحقيق، وعن حضيض التقريب إلى أوج التدقيق... ثم أردف ذلك بالدعاء، ثم قال: وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. ثم ألحق به ذيلا في رسم غير نافع من السبعة كما سيأتي.
وذكر في بعض النسخ تاريخ الفراغ من تأليفه، وهو أواخر شوال عام ١٠٢٨(٢).
١٧- الإعلان بتكميل مورد الظمآن:
(١) - سيأتي التعريف به.
(٢) - مخطوطة خزانة القرويين بفاس برقم ١٠٣٦ (فهرس خزانة القرويين ٣/١٤٥-١٤٦).


الصفحة التالية
Icon