فكان هذا الصنيع من نافع دالا أبلغ دلالة على مقدار الحاجة إلى معرفة القارئ بمصادره قبل أن يقدم على الاطمئنان إليها فيما يأخذ به من اختيار، كما كان ينم عن نضج كبير في شخصيته العلمية ومقدار تشبعه بمنهج أهل الحديث في انتقاد الأسانيد، والعناية بمعرفة أحوال النقلة، وإخضاعهم للفحص والنظر، باستعمال معايير التعديل والتجريح المعتبرة عند أهل هذا الشأن، لتمييز الصحيح السائر، من الغريب النادر، والضعيف الشاذ والواهي الساقط.
ويدل على ما ذكرنا لنافع من اهتمام بالفحص عن حال حلقات السند عند رجال مشيخته، ما قدمناه من تنبيهه على عجمة لسان شيخه نافع مولى ابن عمر وغلبة اللحن عليه، فهذا التنبيه مفيد بالنسبة لمعرفة مرتبة التحمل والرواية عنه، باعتبار اللحن في الحديث مما ينزل بدرجة الراوي في القدرة على ضبط الرواية لا سيما حين يتعلق الأمر بحروف القرآن. لأن اللحن من الشيخ مؤذن بوقوع الخلل في الأداء، وداع إلى ضعف الطمأنينة لدى الآخذ عنه على صحة ما ينقله ويرويه.
وقد ساق الذهبي خبرا يشبه أن يكون المعني به نافعا هذا، ويتعلق بعدم معرفته بالعربية، عن الأصمعي قال: حدثنا نافع، حدثنا الأعرج(١)أنه(٢)قرأ "لتخذت عليه أجرا"(٣)قال: لا تأخذها عنه، فإنه لم يكن عالما بالعربية"(٤).
(٢) - لعل المراد نافع مولى ابن عمر كما سيأتي، ولا يصح أن يرجع الضمير إلى الأعرج لما تقدم من كونه أول من وضع العربية بالمدينة
(٣) - سورة الكهف الآية رقم ٧٧، ورسمها في المصحف "لتخذت" ولعل نافعا قرأ بكسر الخاء مع تخفيف ما قبلها، وبه قرأ ابن كثير وأبو عمرو، وقرأ نافع وباقي السبعة وغيرهم بتشديد التاء وفتح الخاء "لاتخذت. ينظر في ذلك: السبعة لابن مجاهد ٣٩٦ – والتيسير للداني ١٤٥.
(٤) - معرفة القراء للذهبي ١/٦٣.
ولما لهذا الشرح أعني فتح المنان ـ من أهمية بالغة عني غير واحد من الأئمة بوضع الحواشي عليه فمنها:
١٩- حاشية على فتح المنان شرح مورد الظمآن "لعبد الرحمن بن أدريس الحسني أبي زيد المنجرة (١١٧٩).
ذكرها له صاحب "السلوة" في جملة حواش على الجعبري وغيره، وذكر أن مؤلفها "كان شيخ المغرب كله في علوم القراءات وأحكام الروايات، إليه المرجع فيها في وقته، ماهرا فيها، عارفا بطرقها وعللها وتوجيهاتها"(١).
وحاشيته المذكورة تختلف في بدايتها من نسخة إلى أخرى، فأولها في مخطوطة الخزانة الحسنية قوله: "الحمد لله الذي جعل الكتاب لنا خير فرط...(٢) بينما أولها في نسخة أخرى بالخزانة نفسها قوله: "الحمد لله الذي رسم أفعال العباد في الأزل..."(٣)، وعدد أوراق الأولى ٢٧١ ومسطرتها ٢٤ سطرا، في حين أن عدد أوراق الأخرى ٢٨ وفي نسخة أخرى ٢٣ ومسطرتها ٢٥-٢١(٤)، ولعلهما حاشيتان الأولى له والثانية لوالده إدريس المنجرة وهي من تحرير ولده كما نبه على ذلك في فهرسة الخزانة الحسنية(٥).
٢٠- منهاج رسم القرءان في شرح مورد الظمآن لمسعود بن محمد جموع السجلماسي (ت ١١١٩هـ).
(٢) - فهرس م خ ح ٦/٨٨، مخطوطة رقم ٦١٢٨ مجموع (٢).
(٣) - نفسه ٦/٨٧ مخطوطة رقم ١٠٦٤ وأخرى برقم ١٥٥١، مجموع (١). وتوجد بالخزانة العامة نسخة من الحاشية تحت رقم ٩٣٨ ضمن مجموع من ٥٤ إلى ١٠٣.
(٤) - فهرسة الخزانة الحسنية ٦/٨٧.
(٥) - نفسه: ٦/٨٧.