فالظاهر أن الحديث كان عن نافع مولى ابن عمر، وأن الأعرج ابن هرمز حكى قراءته بهذا الحرف لينبه على الاحتياط في الأخذ عن مولى ابن عمر فيما يخص حروف القراءة، ويدل على أنه المراد خبر آخر قدمناه في أول هذا الباب عن نافع بن أبي نعيم قال: "قرأت على نافع مولى عبد الله بن عمر، ومالك من الصبيان – قال: وقرأ نافع "لتخذت عليه أجرا"(١).
وقد تقدم لنا من نظر نافع في الأسانيد ما حكاه إسحاق المسيبي عنه من قوله: "قرأت على هؤلاء ـ يعني شيوخه الخمسة وغيرهم ـ فنظرت إلى ما اجتمع عليه اثنان منهم فأخذته، وما شذ فيه واحد فتركته حتى ألفت هذه القراءة"(٢).
على أن في شهادة أئمة الإقراء لنافع في بلده وغيره، بمعرفته بالقراءات، وفي إقرائه وقبوله في العرض لأكثر من قراءة ـ كما قدمنا ـ، ما يدل ضمنيا على سعة مجاله في الرواية، وعمق معرفته بأسانيدها وطرقها في الأمصار، إذ لا يصلح أن يظن به الإقراء أو الإقرار على ما لا يعلم من قرأ به من السلف.
سابعا: علم البدء والختم، وهو الاستعاذة والتكبير ومتعلقاتهما
أما العلم السابع الذي يلزم القارئ والمقرئ به، ولا يليق به جهله، فهو علم الابتداء بالسور والأجزاء من القرآن الكريم، وبمتعلقات ذلك من التعوذ في مواضعه والتسمية والتكبير وغير ذلك، وكيفية الختم عند الفراغ من الختمة ونحو ذلك من الفروع. وقد جرت عادة المصنفين في القراءات أن يدرجوه ضمن أبواب أصول القراء، فيذكروا باب التعوذ مثلا فيذكرون مذهب كل قارئ من السبعة في الجهر أو الإسرار، ثم يردفونه بباب البسملة، وهو أيضا من مباحث هذا العلم، فيذكرون مذهب كل قارئ في البسملة في فاتحة الكتاب، والتسمية في أول السور، والفصل بها أو تركه بين السور، والتسمية أو تركها في أول الأجزاء إلى غير ذلك من الفروع الاخرى.
(٢) - معرفة القراء للذهبي ١/٩١.
وهو شرح نفيس أيضا حافل بالفوائد والنقول، ونسخه الخطية قليلة في الخزائن(١)، وقد وقفت منه على نسخة في مجلد متوسط(٢)، وأوله قوله: "الحمد لله الذي شرح صدرونا بنور الإيمان، ورسم في سطور منشورها من لوامع آيات القرءان(٣)... ثم ذكر في مقدمته أنه رغب في تأليف كتابه لتقريب فهم "المورد" وحل ألفاظه وبيان معانيه، معتمدا في جل ذلك على "فتح المنان" لابن عاشر، و"لطائف الإشارات لفنون القراءات" لأبي العباس القسطلاني(٤) وغيرهما من كتب هذا الشأن. ثم بدأ بالترجمة لأبي عبد الله الخراز استنادا إلى ما ذكره في "فتح المنان" نقلا عن أبي محمد بن آجطا الصنهاجي، ثم أخذ في شرح النظم بيتا بيتا حتى أتى على آخره بقوله: "ورضي الله عن الصحابة والتابعين وتابعيهم من الأئمة المجتهدين، وسائر علماء المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين(٥).
ومؤلفه المذكور من أعلام المدرسة المغربية من أصحاب أبي زيد بن القاضي وسيأتي مزيد من التعريف بآثاره عند ذكر شرحه على الدرر اللوامع وغيره. وقد ذكر له بعض الباحثين في مجال الرسم :
٢١- التذييل على الخراز فيما أغفله من مسائل الرسم.
٢٢- الاستدراك على إعلان ابن عاشر، ونظم ذلك في رجز(٦).
(٢) - هي في ملك الشيخ المقرئ السيد أحمد بن الكونطري بالصويرة، وهي مؤرخة بالجمعة ربيع الثاني (دون ذكر = تاريخ اليوم) عام ١١٧٢ على يد كاتبها محمد بن أحمد بن الوافي الغماري.
(٣) - فاتحة كلام المؤلف مقاربة في لفظها لفاتحة فتح المنان لابن عاشر، لأنه ذكر أنه اعتمد عليه كثيرا.
(٤) - هو من مصادرنا في هذا البحث كما في الفهرسة.
(٥) - بعده "كمل الكتاب المبارك المسمى" "منهاج رسم القرءان في شرح مورد الظمآن" "بحمد الله وحسن عونه وتوفيقه الجميل.
(٦) - القراء والقراءات بالمغرب لسعيد أعراب ٤٨.