وقد وقفت على هذا هنا بصفة خاصة لآتي على قضية في منتهى الأهمية، وهي أنه لا يلزم من ضعف الراوي في علم ما كعلم الحديث أن يكون ضعيفا في روايته للعلم الذي اختص به، وبهذا أجاب عدد من العلماء عن بعض الأئمة الذين ضعفهم بعض علماء الجرح والتعديل في رواية الحديث مع جلالة أقدارهم في ضبط العلوم التي اختصوا بروايتها وحملها.
وقد قال الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمة أبي عمر حفص بن عمر الدوري ١١/٥٤٣ مجيبا على قول الإمام الدارقطني في صاحب الترجمة المذكور "ضعيف" فقال أعني الذهبي:
" يريد في ضبط الآثار، أما في القراءات فثبت إمام قال:
وكذلك جماعة من القراء أثبات في القراءة دون الحديث كنافع والكسائي وحفص فإنهم نهضوا بأعباء الحروف فحرروها ولم يصنعوا ذلك في الحديث، كما أن طائفة من الحفاظ أتقنوا الحديث ولم يحكموا القراءة، وكذا شأن كل من برز في فن ولم يعتن بما عداه".
ومهما يكن فيمكن تصنيفه في قائمة المحدثين من الطبقة الثالثة من التابعين، استنادا إلى المجموعة الحديثية التي صحت عنه، وإلى ما قاله عنه علماء التعديل والترجيح من أقوال تفاوتت بعض التفاوت في تقدير منزلته في الحديث، اعتبر بالنظر إلى مجموعها مقبول الرواية غير مضعف، ولا مدفوع عن الثقة بنقله.
فترجم له في الثقات الإمام أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي (١٨٢-٢٦١هـ)(١).
والإمام عمر بن أحمد بن عثمان المعروف بابن شاهين(٢)، ذكره ابن حبان أيضا في الثقات(٣)، وقال أبو عمرو الداني في الطبقات: "قال أبو عبد الرحمان النسائي: نافع بن أبي نعيم ليس به بأس"(٤).

(١) - كتاب تاريخ الثقات للعجلي ٤٤٧ ترجمة ١٦٧٨.
(٢) - كتاب تاريخ أسماء الثقات ممن نقل عنهم العلم لابن شاهين ٣٢٢ ترجمة ١٤٠٤.
(٣) - تهذيب التهذيب لابن حجر ١٠/٤٠٧.
(٤) - نقله المنتوري في شرح الدرر اللوامع (مخطوط)

... "وهذا جواب الشيخ الأستاذ المدرس أبي العباس أحمد المصيمدي ـ رضي الله عنه ـ في بعض الأحرف من كتاب الله، من ذلك "مرضات" عند من أمالها، فجواز الوجهين: التعويض وعدمه، وكذلك جميع ما أميل اتفاقا أو اختلافا، الصغرى أو الكبرى، مرسوما بالياء أم لا، إلا ما منع مانع من الإمالة...
... ثم قال في المسألة الثانية: "وأما رسم" أولياء " فكما ترون "أولياء أولئك(١) هذا هو الأشهر عن ورش. إلى أن قال: "وأما ما ذكرتم من مسألة الزوائد فالخط كما ذكر سيدي ميمون(٢) من النص الذي اجتلبتموه، وهو قوله:
الزائد المعدوم في اللسان... فدارة عليه قال الداني(٣)
ولا تحتجوا بما ذكر الخراز، فإن الخراز ذكر زوائد الرسم وغيرها، والضابط أن كل ما لا يقرأه اللسان وهو مرسوم فتوضع عليه الدارة،... ثم قال بعد ذكر مسائل من الهمز وغيره.
"سورة البقرة": فادَّارأْتم "حاججتم" ذكره أبو داود نفسه بالألف، "تقاية تقية" بغير الألف، قال أبو داود في "التنزيل": كلها حسن، فليكتب بما أحب، قوله: "الأدبار" بالحذف لصاحب "المنصف" وغيره... قوله: "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا" أحياها هنا لم يذكره أبو داود بالحذف ولا بالإثبات، وكذلك أبو عبد الله الخراز في الرجز...
(١) - رسمها بتصوير همزة أولياء نقطة كبيرة صفراء، وألف "أولئك" معرى من الهمز على وجه الإبدال لورش في الهمزتين المتفقتين بالضم، وهو مثال وحيد في القرآن في آخر سورة الأحقاف. ثم رسمه مرة أخرى على وجه التسهيل.
(٢) - هو ميمون بن مساعد المصمودي أبو وكيل مولاي عبد الله الفخار وصاحب "تحفة المنافع" وسيأتي التعريف به.
(٣) - من أبيات أبي وكيل في "الدرة الجلية في الرسم "وستأتي في التعريف به".


الصفحة التالية
Icon