وذكر ابن القيم كلام ابن عبد البر هذا ثم قال: - يعني ابن عبد البر -: "فصح الحديث بنقل العدل عن العدل على ما قال ابن السكن، إلا أن أحمد بن حنبل كان لا يرضى نافع بن أبي نعيم، وخالفه ابن معين فقال: هو ثقة"(١).
ذلك شأنه عند أئمة الحديث، أما عند أصحابه وغيرهم من علماء المدينة وقرائها، فقد كان في أعلى المستويات، وعلى الأخص في فنه الذي اختص به، وهو علم القراءات وما يتصل به، ولقد كان فيما يتصل بهذه العلوم من المنزلة بمكان، لاسيما في المسائل الخلافية كقضية الجهر بالبسملة في الصلاة وغيرها ولأهمية هذه القضية نسوقها هنا لبيان منزلته عند علماء المدينة في هذا الشأن.
مذهب نافع في الجهر بالبسملة وموقف فقهاء المدينة من ذلك:
قال الحافظ ابن الجزري: "قد صح نصا أن إسحاق بن محمد المسيبي أوثق أصحاب نافع وأجلهم قال: سألت نافعا عن قراءة بسم الله الرحمن الرحيم"، فأمرني بها، وقال: أشهد أنها آية من السبع المثاني، وأن الله أنزلها". روى ذلك الحافظ أبو عمرو الداني بإسناد صحيح، وكذلك رواه أبو بكر بن مجاهد عن شيخه موسى بن إسحاق القاضي(٢)عن محمد بن إسحاق المسيبي عن أبيه.

(١) - تهذيب سنن أبي داود لابن القيم – منشور بحاشية مختصر سنن أبي داود للحافظ المنذري ومعالم السنن للخطابي ١٣٤.
(٢) - ترجمته في غاية النهاية ٢/٣١٧ ترجمة ٣٦٧٣.

٤٣- شرح تصوير الهمز لأبي عبد الله محمد بن أبي جمعة الهبطي السماتي صاحب "تقييد الوقف (ت ٩٣٠)
استنتجت هذا فحسب ولم أجده منسوبا إليه بهذا الاسم، وإنما وقفت على بعض النقول يمكن أن يستفاد ذلك منها، فقد جاء في تقييد قيده بعض العلماء على الضبط من شرح أبي زيد القصري المشهور بالفرمي قوله:
قال الهبطي: قوله: فضبط ما حقق بالصفراء(١) أي: فصورة ما حقق بالصفراء وأما الضبط حقيقة فهو كناية عن شكل الحرف:
وقال في نقل آخر عنه: النقط وما في معناه عبارة عن الحركة لا عن الهمز، بدليل نصهم على جعل النقطة في أؤءنبئكم أمام الواو، إذ لو كانت عبارة عن الهمز لكان على الواو، إذ المضموم غير ألف، والهمز يكون فوقه: نحو "يكلؤكم" و "سنقرئك"(٢).
ويدل على ذلك أيضا ما نقله أبو زيد بن القاضي في "الفجر الساطع" عن قول ابن بري:
وإنما النسي ورش أبدله ولسكون الياء قبل ثقله
قال: "وجدت في بعض التقاييد : وأما "النسي" فيفرق بينه وبين السوء والنبيء. "قال الهبطي :"النسي لورش بالوقص، وليس كذلك بالسوء والنبيء لأن النسي مبدل في الحالتين، بخلافهما، فإنهما في الوصل خاصة، والنسي لقالون عقص، وكذلك "أوزعني"، ولورش وقص – قال – نصوا عليه ولم أره انتهى"(٣).
ولعل الإمام الهبطي قد كتب أيضا في شرح قسم الرسم من "المورد" أو بعض الحواشي عليه، ويدل على ذلك ما وقفت عليه في تقييد محمد العربي الغماري عن شيخه أبي عبد الله بن مجبر بفاس – الأنف الذكر – عند قوله:
(١) - هذا شطر بين من قسم الضبط من المورد.
(٢) - سبقت الإشارة إلى هذا التقييد (ص ١١٦) بالرقم ٣٢ من الكتب المؤلفة على المورد.
(٣) - الفجر الساطع (مخطوط) في باب "إبدال فاء الفعل وما بعده من الدرر اللوامع لابن بري.


الصفحة التالية
Icon