هكذا قرع المسيبي الحجة بالحجة، واستند إلى مذهب نافع في القضية وروايته، وناقش مالك بن أنس منهجيا في نهيه عن الأخذ عن هل العراق، ثم هو في النهاية يستند في المسألة على رواية حميد عن أنس فيها. مع أن مذهب المسيبي في الجهر بالبسملة هو الثابت عن نافع من روايته وقراءته، ولذلك لم يرجع المسيبي إلى ما دعاه إليه مالك، لفوة مستنده في ذلك ولمكانة نافع في نفسه باعتبار هذه المسألة من العلم الذي يسأل عنه أهله، وكأنه يريد إلزام مالك بلازم قوله: " خذوا كل علم عن أهله"، لأن أهلية نافع لهذا العلم بين أهل المدينة أمر مسلم لا ينازع فيه مالك ولا غيره. ولاسيما مع اعتبار مشيخته له وتقديره له بشهادته ـ الآنفة الذكرـ أن قراءته سنة.(١)
وهكذا حظي الإمام نافع بهذا المقام المحمود، وتبوأ في زمنه هذا المنصب الرفيع "حتى صار علما يرجع إليه في فنه، ومركزا يدار عليه فيه"(٢)، وتنافس الكبراء من أهل العلم وغيرهم في الزلفى إليه، وقد زاده وقار الشيخوخة، وجمال السيرة، وطول العهد في إمامة الإقراء، والصلاة بالناس في المسجد النبوي الشريف ستين سنة(٣)، - جلالة قدر، وسيرورة ذكر، ومحبة في القلوب لا تشترى بمال، حتى كان الخلفاء يتوددون إليه، وربما اتخذوا الوسائط للحصول على بغيتهم منه.
زهده ومنزلته عند الخلفاء وامتناعه من الصلاة في التراويح إماما في المسجد النبوي بمحضر الخليفة لقاء مكافأة مالية:
(٢) - مشاهير علماء الأمصار لابن حبان ١٤١.
(٣) - كتاب قراءات القراء المعروفين للأندرابي ٦٢-والنجوم الطوالع للمارغني ١٢.
وكان الذي دعاني إلى الارتياب في ذلك ما وقفت عليه مرات في كتب ابن القاضي المتوفى سنة (١٠٨٢ هـ) من ذكر لكتابه، كقوله في كتابه "الجامع المفيد": "وقد لخصت ما في "كشف الغمام" من نصوص الأعلام في هذا الكلام"(١)، وكقوله في ختام أرجوزته الآتية في الاستدراك على مورد الظمآن":
حجته بانت لدى كشف الغمام | واضحة النقل فقله لا تلام.(٢) |
"والنص موجود لدى "كشف الغمام | كذاك في الطراز قاله الهمام(٣) |
(٢) - ستأتي في بعض ما استدرك على الخراز في المورد.
(٣) - الرسالة في موضوع نقل ورش لحركة الهمزة إلى الساكن قبلها، وستأتي بعض النقول عنها عن قريب.