وقد ذكر عياض أن الخليفة المهدي العباسي حين زار المدينة "شاور مالكا في ثلاثة أشياء: "في الكعبة أن ينقضها ويردها على ما كانت عليه(١)، فأشار عليه أن لا يفعل، وفي المنبر أن ينقضه ويرده على ما كان عليه(٢)، وشاوره في نافع بن أبي نعيم القارئ أن يقدمه للصلاة، فأشار عليه أن لا يفعل، وقال: هو إمام، أخاف أن يكون منه شيء في الغفلة فيحكى عنه"(٣)

(١) - في رواية ابن عبد البر في التمهيد ١٠/٤٩-٥٠ أن صاحب القضية مع مالك هو هارون الرشيد، وأنه قال لمالك: "أريد أن أهدم ما بنى الحجاج بن يوسف من الكعبة، وأن أرده إلى بناء ابن الزبير، فقال له: ناشدتك الله يا أمير الممنين أن تجعل هذا البيت ملعبة للملوك، لا يشاء أحد منهم إلا نقض البيت وبناه، فتذهب هيبته من صدور الناس".
والظاهر أن ما ذكره عياض أليق بالتاريخ وأقرب، إذ أن الرشيد إنما ولي الخلافة سنة ١٧٠ أي بعد وفاة نافع، كما أنه لم يذكر قبل توليه الخلافة فيمن حج بالناس نيابة عن الخليفة كالعادة، كما يتبين من قائمة أسماء الذين تولوا الحج بالناس بأمر الخلفاء من عهد النبوة إلى عصر المؤرخ المسعودي (ت ٣٤٦ هـ) ويمكن الرجوع إلى هذه القائمة في كتابه مروج الذهب ٤/٤٠٢.
وأما الخليفة المهدي فله رحلة مشهورة إلى الحجاز دخل فيها المدينة، وقصة التماسه من مالك أن يقرأ الموطأ على ولد يه موسى الهادي – وهارون – الرشيد – مشهورة، ويمكن الرجوع إليها في كتاب الانتفاء لابن عبد البر ٤٢ – وترتيب المدارك لعياض ٢/١٩-٢٠ وكذا في ٢/٩٨-١٠٢.
وقد ذكر ابن شبة في تاريخ المدينة المنورة ١/١٨ أن المهدي قدم حاجا سنة ١٦١، وذكر قصة تجديد المنبر.
(٢) - كان معاوية رضي الله عنه قد زاد في منبر النبي ـ ﷺ ـ ينظر في ذلك:
ترتيب المدارك ٢/١٠٥. – وتاريخ المدينة المنورة لعمر بن شبة ١/١٨.
(٣) - ترتيب المدارك ٢/١٠٥-١٠٦.

ثم زال عني اختلاج الظنون في شأن المترجم حين وقفت على شرحه المذكور، فوجدته ينقل مباشرة عن ما سمعه من شيخه محمد بن سليمان القيسي(١)، وهو أبو عبد الله القيسي الضرير شيخ الحماعة بفاس (ت ٨١٠) إلى جانب نقله عن شرح المجاصي على الدرر اللوامع والمصادر المعتمدة عند الخراز كالمقنع والتنزيل والمحكم وغيرها، ولم أقف له على نقل عن المتأخرين، بل وجدته ينقل عن مصدر لا أعلم له وجودا منذ المائة الحادية عشرة. وهو كتاب "التبيان" للتجييي، وهو من أهم المصادر في هذا الشأن التي اعتمدها شيخه القيسي – كما سيأتي – في أرجوزته " الميمونة الفريدة".
وقد رجعت إلى الكتاب أعني شرح الشباني في نسخته الخطية التي يظن أنها التي أطلع عليها المراكشي، وهي في مجلد ضخم في قرابة ٥٠٠ صفحة من القالب الكبير بخزانة ابن يوسف بمراكش وهي مسجلة تحت رقم ١٩، وفيها بَتْرٌ في آخرها وتلاشي في الورقة الأولى أصاب جهاتها اليمنى والعليا والسفلى، وقد كتب على ظهر ما بقي منها ما يلي:
"هذا الشرح لأبي الحسن بن علي(٢) بن أبي بكر المنبهي الشهير بالشهباني(٣) وسماه ب " كشف الغمام على قصيدة الضبط في الرسم". وأول الموجود منه قوله:
"أما بعد فسبب وضعي لهذا التأليف المسمى ب"كشف الغمام، عن ضبط حروف المصحف الإمام، الموضوع شرحا لضبط الأستاذ محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله الأموي الشريشي الشهير بالخراز، المسمى بـ "عمدة البيان"، أن جملة من الأصحاب طلبوا مني أن أقوم بتأليف هذا الكتاب، وأنهم ما زالوا يلحون علي ولا يقبلون لي عذرا، فاستخرت الله في ذلك، وأنقدت إلى إسعافهم، وصرفت الهمة إلى مقصدهم ومرادهم، قاصدا بذلك وجه الله".
(١) - يمكن الرجوع إلى بعض نقله عنه في مخطوطة الكتاب بالخزانة الحسنية ص. ٦١ رقمها بالخزانة ٢١٤٢.
(٢) - كذا والصحيح الحسن بن علي
(٣) - كذا بزيادة الهاء.


الصفحة التالية
Icon