ومهما يكن الذي طلب منه أن يتقدم لإمامة التراويح بالخليفة، أهو الخليفة نفسه أم ابنه؟ وأيهما الذي استشار مالكا، أهو الخليفة أم غيره، أم نافع نفسه؟ فإن دلالة الخبر على منزلة نافع عند الخليفة لا تخفى، لاسيما حينما توضع في مقابل المشروعين اللذين استشار فيهما مالكا، كما لا يخفى في جواب مالك وما علل به مقدار احتياطه لهذا الإمام المراد انتدابه لمثل هذه المهمة، إلى جانب ما فيها قبل ذلك ومعه من الاحتياط لكتاب الله، إذ ليس مما يستبعد في رأي مالك أن يزل لسان الشيخ بما لا يريده في قراءته ولا يفطن إليه، فيحمله عامة الناس على السداد في ذلك لجلالة قدره عندهم، فيتحملون عنه الخطأ الذي لم يقصد إليه على انه وجه في القراءة قرأ به نافع على رؤوس الملأ، ويحمله غيرهم من علماء هذا الشأن على محمله الصحيح، فيغض ذلك من قدره، وربما كان في العارفين من يذكره ويتندر بحكايته عنه في المجالس، فيسقط بذلك شأنه، لاسيما مع اعتبار العادة الجارية في عدم الرد على الأئمة ـ فيما حكاه الإمام محمد بن الطيب الباقلاني ـ فقال: "وقد اتفقت الأمة على قبح الرد على الأئمة في المحاريب لغلط يقع منهم، وكذلك سبيل الرد على الأستاذين، لموضع إجلالهم، وجمال عشرتهم"(١).
ولعل ذلك ما يفيد قول مالك له: "فلا تعاود في ذلك، لاعتماد الناس عليك"
وذكر الأبيات إلى قوله "عونا وتوفيقا إلى الصواب"، ثم أخذ يشرح الألفاظ المفردة شرحا لغويا، ثم يتبعه بتقرير المعنى الإجمالي، ويستكثر أحيانا من المباحث النحوية واللغوية ويورد الشواهد عليها، ويلقي الأسئلة حول ذلك ويقول: "والجواب كذا".
أما نقوله فأكثرها عن مقنع أبي عمرو في الفصول الأولى، وعن المحكم فيما يليها، كما ينقل عن ذيل التنزيل وعن التجيبي الذي يورد كلامه بعبارته أحيانا كما التزم بذلك في مقدمته، وأحيانا يقول: "ونص التجيبي على كذا"، أو "ونص التجييبي في ذلك"، أو "ونص أبي إسحاق في ذلك ويورد كلامه، كما ينقل عن اللبيب في شرحه، على العقيلة بقلة، ومن نقوله عن غير هذه المصادر المشهورة قوله:
"وقال الشيخ الأستاذ الأنبل أبو عبد الله محمد بن عبد الكريم نزيل فاس(١) ـ رحمه الله ـ:
"إن بعض الأساتيذ في هذه البلدة ـ يعني بلدة فاس ـ ذكر أن "لأهب" يرسم بلام مجبوذة وياء بالحمراء وبعضهم قال: يجعل الياء على قفا(٢) الألف، ولم يذكره أبو عمرو".
والكتاب في الجملة من أحفل الكتب في مباحث هذا الفن، وقد اشتمل على نصوص كثيرة تعتبر مصادرها في الغالب مفقودة كالنصوص التي ينقلها عن أبي إسحاق التجييي المذكور في مصادره في المقدمة، وهو إلى جانب ذلك من المصادر القيمة التي اعتمدها أبو زيد ابن القاضي في عامة كتبه في هذا الشأن ـ كما قدمنا ـ.
ومن نقوله عنه ما ذكره في رسالته " إزالة الشك والإلباس" عند حديثه عن نقل الهمزة وكيفية الدلالة عليها في الضيط حيث قال:
(٢) - في الأصل "على قدر الألف" ولعل الصواب ما أثبتناه.