وقد كان أول ما بادر المهاجرون الأولون إلى عمله غداة مقدمهم المدينة المنورة إنشاء أول مسجد بني في الإسلام، روى عمر بن شبة عن أبي كعب القرظي قال: " قدم رسول الله ﷺ قباء وقد بنى أصحابه مسجدا يصلون فيه إلى بيت المقدس، فلما قدم صلى بهم إليه، ولم يحدث في المسجد شيئا"(١).
ولعل النبي صلة الله عليه وسلم عمل على توسيعه بعد ذلك، فبناه باللبن، إذ ذكر ابن شبة خبرا آخر يفيد اشتراك الجميع في العمل، وفيه تجلى مقدار الارتباط بين القرآن وإقامة المساجد، إذ كان عبد الله بن رواحة يرتجز: "أفلح من يعالج المساجدا"
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "المساجدا"
فقال عبد الله بن رواحة: "يقرأ القرآن قائما وقاعدا"
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وقاعدا"
فقال عبد الله رضي الله عنه: "ولا يبيت الليل عنه راقدا"
فقال صلى الله عليه وسلم: "راقدا"(٢).
ذلك كان أول المؤسسات التي عني المسلمون بإقامتها بعد الهجرة، فكان هذا المسجد مسجد قباء أول مسجد بني في الإسلام(٣).
ولقد بلغ من عناية المخططين للأمصار التي بنيت عقب الفتح بإقامة المساجد الجامعة في المواقع اللائقة بمكانتها أنهم كانوا يراعون في التخطيط أن تكون الأبعاد إلى المسجد متكافئة من جميع أطراف المصر، ولذلك يكون المسجد أول ما يتبرك ببنائه، ثم تقام دار الإمارة حوله، ثم يؤذن للناس بالبناء، ومن أبرز الأمثلة في اتباع هذا التصميم مدينة الفسطاط في مصر، التي اختطها عمرو بن العاص رضي الله عنه بعد الفتح، ومدينة القيروان التي اختطها عقبة في ولايته الأولى سنة خمسين(٤).

(١) - تاريخ المدينة المنورة لعمر بن شبة ١/٥١.
(٢) - المصدر نفسه ١/٥٢.
(٣) - السيرة النبوية لابن هشام ٢/١٨٩.
(٤) - مجموعة رسائل ابن جزم – رسالة في جملة فتوح الإسلام ٢/١٢٨.

لقد يدعي علم القراءة معشر وباعهم في النحو أقصر من شبر
فإن قيل ما إعراب هذا ووزنه؟ رأيت طويل الباع يقصر عن فتر
ثلاث لغات في "الصراط" ولم يكن ليحسنها من لم يقسه على سقر(١)
أعلم في شعري قراءة نافع رواية ورش ثم قالون في الاثر
وأذكر أشياخي الذين قرأتها عليهم فأبدا بالإمام أبي بكر
قرأت عليه السبع تسعين ختمة بدأت ابن عشر ثم أتممت في عشر
ولم يكفني حتى قرأت على أبي علي بن حمدون جلولينا الحبر
وعبد العزيز المقرئ بن محمد أثير(٢) ابن سفيان وتلميذه البكري
أئمة مصر كنت أقرأ مدة عليهم، ولكني اقتصرت على القصري
فأجلسني في جامع القيروان عن شهادته لي بالتقدم في عصري
وكم لي من شيخ جلبل وانما ذكرت دراريا تضيء لمن يسري
خذوا عن فمي علم الكتاب بقوة ولا تصلوني عن أيادي بالشكر
ولكن بإخلاص الدعاء فربما جبرت بكم اني فقير إلى الجبر
ذكر التعوذ والبسملة
جرى الخلف في وصف التعوذ بينهم ونص الكتاب اختير في غالب الأمر
ولم أقر بين السورتين مبسملا سوى أنني بسملت في الأربع الغر
وحجتهم فيهن عندي ضعيفة(٣) ولكن يقوون الرواية بالنصر(٤)
وان تفتتح والحزب أول سورة فعوذ وبسمل أنت من ذاك في يسر
(١) - بالسين في جميع النسخ، والمراد اللغات الثلاث التي في "الصقر" بالسين والصاد واشمام الصاد صوت الزاي
(٢) - في نسخة ابن الطفيل "أثين" وكذا في نسخة شيخي وفي غيرها "أثير".
(٣) - في الاصل (شرح ابن الطفيل) "لطيفة" وفي باقي النسخ ما أثبته.
(٤) - انتقد عليه ابن الطفيل قوله "الرواية" فقال: "والعجب من الناظم كيف يقول: ولكن يقوون الرواية بالنصر "وهي لم يروها أحد، ولو قال المقالة أو ما شابهها لكان أخلص له.. "(شرح الحصرية). وقد ذكر الحلفاوي في شرحه على الدرر اللوامع دفاع الإمام القيسي شيخه عن الحصري فيها، وذكر أن أبا عمرو الداني ذكر هذه الرواية في جامعه وكذلك أبو العاص في كشفه، وسيأتي ذكر هذا.


الصفحة التالية
Icon