ولعل فيما ذكرناه ما يكفي ويشفي في التدليل على ما كان لمدرسة أبي عبد الله الخراز من أثر بليغ في الميدان، وما نالته من خلال إشعاعها العلمي الذي انبثق من أرجوزته وذيلها من حظوة فائقة وعناية بالغة فسحت لها المجال في مختلف الأعصار والأقطار والجهات، مما اعتبر معه هذا العلم المغربي الفذ منعطفا خطيرا في تاريخ المدرسة القرآنية عموما وفي البلدان المغربية على الخصوص كما سبق أن نبهنا عليه مع العلامة ابن خلدون في أواخر الفصل الرابع من هذا العدد، وحسبه من النبل وعلو المكانة أن يذكر اسمه في هذا الفن مع أمثال أبي عمرو الداني وأبي داود بن نجاح وأبي القاسم الشاطبي من فحول الميدان وفرسانه المغاوير.
ولا أريد أن نطوي ملف هذه المدرسة دون أن نتوقف أخيرا عند شخصية من شخصياتها المهضومة الحق في كتب التراجم المعروفة، مع إسهام صاحبها في هذا الشأن بإنتاج رفيع لا يقل في غناه ومكانته وانتفاع العلماء به عن ما قام به الخراز، وإن كان هذا قد اتجه إلى النظم وذاك إلى النثر، ولا أستبعد أن يكون كلاهما قد قرأ على مشيخة واحدة، وهذه الشخصية هي شخصية الإمام التجيبي عالم الرسم والضبط الذي أثرى المدرسة المغربية بعد أبي عبد الله الخراز ببحوثه القيمة وتفريعاته واختياراته وتوجيهاته منطلقا من المصادر نفسها التي انطلق منها، ومحللا وموازنا بين مذاهب الأئمة ومرجحا ومصححا، فكان من ثمة من المصادر القيمة التي ضمها من جاء بعده إلى المصادر الأمهات في المصنفات النظمية والنثرية.
فهذا أبو عبد الله القيسي صاحب "الميمونة الفريدة" (ت ٨١٠) يقول في مصادره فيها:
وقد جمعت في نظامي كتبا... تفيد من حفظه مرتبا
من تلك ضبط الشيخ(١) ثم المقنع... ومحكم الداني كاف مقنع
ثم التجيبي، وقد نقلت... من التصانيف الذي استحسنت(٢)
(٢) - سيأتي التعريف بالأرجوزة في ترجمته.