ولا يخفى ما كان يستتبعه وجود مثل هذا العدد الوفير من المساجد من تأثير عام في مجال القراءة والتعليم، بحكم حاجة هذه المساجد إلى من يقوم بوظائفها الشرعية من الأئمة في الصلوات والخطباء والمعلمين وغيرهم، هذا مع ما كان لها أيضا من أثر في السير بالقراءة العامة نحو "التوحيد" بعد الاستقرار على رواية ورش. حيث "كان الأئمة في قرطبة ـ كما يقول ابن رشد (ت ٥٢٠هـ) لا يقرأون إلا بها"(١).
وهكذا كان الترابط تاما بين انتشار المساجد وانتشار القرآن، وكان لهذا الانتشار أثره البليغ في توجيه القراء على نمط واحد في القراءة والأداء، وعلى الأخص به، بعد أن ظهرت قراءة "الحزب الراتب" في جماعة ـ كما سيأتي ـ في افريقية والمغرب.
٤- في إحداث مكاتب وملحقات لتعليم القرآن بأجنحة المساجد وغيرها
وقد اقتضت التطورات التي عرفها تعليم القرآن لهذا العهد اتخاذ مكاتب أو كتاتيب وملحقات خاصة لهذا الغرض في أجنحة المساجد أو في بعض أروقتها، وتعميم ذلك في عامة المداشر والقرى.
وكان من دواعي الاستكثار من هذه المكاتب و"المحاضر" ازدياد الرغبة في تعميم هذا التعليم والوصول به إلى جميع الجهات والأطراف، كما كان من دواعي فصلها عن المساجد أحيانا، الاحتياط لها، لما يمكن أن يحدثه وجود المتعلمين في المسجد في أثناء الصلوات من تشويش على المصلين، أو يؤدي إليه هذا الوجود من إتلاف للمرافق العامة للمسجد كالفرش وآنية الوضوء والمياه ووسائل الإنارة والمصاحف المحفوظة بالخزائن.

(١) - سيأتي الحديث عن ترسيم هذه الرواية ودواعيه.

فقل أظهراها(١) عند أول ثابت وجمل وسعد ثم زيد وصنبر
وأظهر عند الظاء قالون وحده لقد ضحكت أزهار علمي بلا ثغر
ذكر حروف قربت مخارجها
وتظهر عند الثاء دال "ومن يرد" فشم من فمي برقا يشير ويستشري
وأما "لبثتم" أو "لبثت" فمظهر و"أورثتموها" فادر وافهم عن المدري
وأما أخذتم واتخذتم" وشبهه فمدغمة لا خلف قل فيهما فادر(٢)
و"عذت بربي مظهر و"نبذتها" فزد وانتفع لا مسك الله بالضر
وأظهر ورش تاء "يلهث" وأدغمت لقالون، وارتع في حدائقي الخضر
وأظهر باء "اركب" وقالون مدغم وباء "يعذب من يشاء" فمح غمري
وان تات فاء بعد باء جزمتها فقل أظهراها(٣)، واتل في الصوم والفطر
كما أظهرا(٤) "نخسف بهم "حبذا السرى(٥) إلى العلم من طلابه الشعث الغبر
ذكر النون الساكنة والتنوين
وفي النون والتنوين عندي مسائل بها تعتلي فوق السماكين والنسر
إذا لقيتها أحرف الحلق أظهرت كقولك "من غل" وقولك "من خير"
وفي الميم ثم الواو والياء أدغمت بغنتها فاستغن عن غنة العفر(٦)
وفي اللام ثم الراء من غير غنة كذا سطروا لكن في خلدي سطري
وما يتغير لإدغام بناؤه فلا بد من إظهارها فيه للعذر
وتقلب عند الباء ميما لعلة كقولك أنبأت العشيرة عن بكر
(١) - في جميع النسخ "أظهرها" بدون ألف، ولا يصح، لأنه يختل به الوزن والمعنى، إذ بدأ بذكر ما اتفق على إظهاره ورش وقالون، ثم سيعطف عليه بذكر ما انفرد به قالون وحده عن نافع.
(٢) - هذا البيت ساقط من نسخة آسفي، وساقط أيضا من نسخة ابن الطفيل إلا أنه تعرض لذكر اتخذتم وأخذتم في الشرح في موضع البيت مما يدل على وجوده في أصل النظم.
(٣) - يعني اتفق ورش وقالون على إظهارها، وقد اتفقت النسخ على كتابتها هكذا "اظهارها".
(٤) - سقط ألف "أظهرا" في كثير من النسخ التي وقفت عليها، والصواب إظهارهما معا لها.
(٥) - في نسخة آسفي "جيد السرى" وفي نسخة الرسموكي "حب ذا" منفصلة.
(٦) -أي عن غنة الظباء العفر: جمع أعفر.


الصفحة التالية
Icon