وقد عالج سحنون في رسالة "آداب المعلمين" هذا الموضوع بإفاضة، وتحدث عما جاء في ختم القرآن، وما يجب في ذلك للمعلم، وما يجب في إجارته، ومتى تجب(١)، وتبعه على ذلك المؤلفون في هذه الشؤون كابن أبي زيد والقابسي وأبي عمران الفاسي وسواهم(٢).
ولقد تجلى أثر هذه الكتاتيب بسرعة في تخريج الدفعات الأولى من قراء المنطقة ليتولى طائفة منهم القيام بمثل ذلك وما يتبعه من وظائف في الإمامة وغيرها. وقد ساعد نبوغ بعض الأحداث والأساليب المتبعة في التحفيظ على تحقيق مستويات مشرفة في هذا الشأن، فمن ذلك ما نستفيده من قصة ذكرها المالكي في ترجمة المقرئ القيرواني عبد الجبار بن خالد السرتي ـ وهو ممن أنجبتهم المنطقة من الحفاظ ـ جاء فيها أن الأمير إبراهيم بن أحمد بن محمد بن الأغلب صنع مأدبة لاعذار ولده، فمضى أهل العلم من شيوخ القرآن لتهنئته، وكان فيهم عبد الجبار بن خالد، فلما أتى الأمير أكبره وعظمه وسر برؤيته، وأخرج إليه أولاده، فدعا لهم وبارك عليهم، ثم قال: "أيها الأمير، هل علمت مقدار هذه النعمة عليك، أعطاك الله مثل هؤلاء البنين، وعلمتهم كتاب الله، وأحييت فيهم سنة رسول الله ـ يعني الختان ـ"(٣).

(١) - آداب المعلمين الصفحات ٩٤-٩٦-١١٩-١٢٦.
(٢) - من المؤلفات في ذلك كتاب "جامع جوامع الاختصار والتبيان، فيما يعرض بين المعلمين آباء الصبيان" لأبي العباس محمد بن أبي جمعة المغراوي المعروف بشقرون " من أصحاب ابن غازي، ينقل عنه ابن القاضي المقرئ في جواب له في عدم جواز إقراء من لم يحكم مخارج الحروف، وسيأتي في ترجمته. ومنها أرجوزة القاضي محمد بن عزوز كرضيلو المسماة بنكتة المعلمين، وأولها: "الحمد لله الذي أورثنا كتابه العزيز وانتخبنا" – مخطوطة ــ.
(٣) - رياض النفوس ١/٤٦٦. وانظر مبلغ حفظه للقرآن ومضيه فيه كالجواد في صلاة التراويح في ١/٤٦٤ منه.

كوصلك، هذا قول من ليس بالغمر(١)
ذكر اللامات
إذا جاء حرف ساكن مطبق معا وقد فتحت أو ضمت اللام في الاثر
ففخم ومهما تفتح الطاء قبلها أو الصاد فالتفخيم فيها بلا حظر
ولكن مع التشديد والضم رققت وفيها مع الفتح اختلاف كذا أدري
وإن سكنت ما بين صادين فخمت لدى سورة الرحمن أو سورة الحجر(٢)
وفي "اختلط" و"اغلظ عليهم "وأخلصوا" وفي "خلطوا"(٣) خلف شرحناه في السفر
وفي "ظلموا"(٤) أيضا كما في ثلاثة ولكن بترقيق قرأت على الحبر(٥)
وإن وقع اسم الله والفتح قبله أو الضم فخمناه سبحن ذي الغفر
لورش وقالون وغيرهما معا وهذا جني العلم فاقطفه كالزهر
ومهما تقع مفتوحة طرفا فقف عليها بترقيق سقيت حيا القطر
ذكر فرش الحروف
ودونك من فرش الحروف مسائلا تبويك دار الخلد مخضودة السدر
قرا وهو قالون وفهو مسكنا ولهو وثم هو اقرأ وارق إلى الغفر
وقس هي إسكانا على هو بالحجا فإن الحجا أمضى من البيض والسمر
ويقرا من الياءات تسعا سواكنا سأحسبها مستغفرا حاسب الذر(٦)
فياءان "لي وليومنوا بي" و"اخوتي" "ومحياي" والوجهان فيها عن المصري
(١) - هذا آخر بيت في باب الراءات في سائر النسخ، إلا في نسخة الرسموكي فتزيد بقوله:
وقف في مكان النصب أيضا مفخما وقف مضجعا في موضع الرفع والجر.
(٢) - المراد كلمة "صلصال" في السورتين.
(٣) - في بعض النسخ وفي خلصوا" بالصاد، واللفظ في سورة يوسف، وبالطاء في التوبة.
(٤) - في بعض النسخ "خلطوا" وهو تحريف، لأن بعض أئمة المدرسة القيروانية يستثني الظاء من الأحرف التي تفخم لها اللام إذا كانت اللام مفتوحة والظاء مفتوحة كما تقدم.
(٥) -يعني شيخه عتيق بن أحمد أبا بكر القصري الذي قرأ عليه تسعين ختمة كما تقدم.
(٦) - في أكثر النسخ "حاسب الذكر" وفي بعضها "الدهر"، والصحيح ما أثبته ومعناه محصي دقيق الأعمال حتى مثاقيل الذر، كما في قوله تعالى "وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة..".


الصفحة التالية
Icon