فقول عبد الجبار للأمير "علمتهم كتاب الله" يدل على ما قدمنا من مظاهر النبوغ في الحفظ التي أخذت تلفت الأنظار من لدن القراء المختصين من أمثال عبد الجبار السرتي، وهو من أفضل أصحاب سحنون.
ولعل الإدراك الواعي من لدن أئمة الفقه بالقيروان لأهمية تعليم القرآن في مثل هذه "المحاضر" والمشارطة عليه بين الآباء والمعلمين، هو الذي دعاهم إلى القول بإجبارية التعليم ووجوب تنصيب من يقوم به من أهل الكفاية، وقد ساق العلامة الحسين بن علي بن طلحة الشوشاوي (ت ٨٩٩) في كتابه (الفوائد الجميلة على الآيات الجلية) طائفة من الأقوال عن الأئمة المتقدمين في ذلك صدر لها بقوله: "وأما من الذي يعقد "الحضار"(١)من أهل الموضع ؟ فقال أبو عمران الفاسي في "التعاليق"(٢): "الذي يعقد الحضار هو السلطان أو القاضي وجماعة من الناس، فإذا عقدوه فـ"الشرط" لازم لجميع أهل الموضع، وينكل من امتنع من تسليم ولده للمكتب، ويجبر على ما ينو به من أجر المعلم، ومن أبى طرد ونفي إن قدر عليه، لهدمه ركنا من أركان الدين، ولا تجوز شهادته، ويؤدب أدبا وجيعا"(٣).
وهذا التقويم للتعليم القرآني باعتباره ركنا من أركان الدين هو ما رمينا إلى الوقوف عنده من خلال العوامل التي جعلناها من مقومات المدرسة القرآنية في المغرب وأهم خصائصها، وهو أثر كان له بعده العلمي وأثره الفعال في النبوغ الذي امتاز به المغاربة في مجال حفظ القرآن الكريم والقيام على قراءاته ورواياته.

(١) - الحضار اسم المكتب الذي يجتمع فيه الصبيان للتعلم، وما يزال معروفا في الحواضر بهذا الاسم إلى اليوم، ويسمى في بعض الجهات الجنوبية من المغرب وفي موريتانيا بالمحضرة، وربما كتب بالظاء.
(٢) - لم أقف على ذكر له في مؤلفاته، ولم يتعرض لذكره في كشف الظنون في مادة "تعليق".
(٣) - الفوائد الجميلة على الآيات الجليلة ٢٩١-٢٩٢.

وأخرى"ولي فيها""وأخرى" "ومن معي" وثنتان "أوزعني" لدى طلب الشكر
وأخرى"وإن تومنوا لي"وقبلها "رجعت إلى ربي "سقى رحمة قبري
وفي ياء "ربي" عنه خلف رويته عن المقرئ المروي بقطر الحجا قطري(١)
ويقرا "ليلا" حيث كان بهمزة وباء "البيوت" الدهر يقرأ بالكسر
ويقرا حروفا خمسة باختلاسها فطر نحو حيي عن فراخك والوكر
"نعما" جميعا في المكانين ثم لا تعدوا "وأمن لا يهدي لهما بحري
وأخرى لدى(٢) ياسين في قوله يخصمون، فياسقيا لروض الحجا النضر
ويقرأ "هأنتم " بوزن "أأنتم" ويدخل مدا فاحصد العلم من بذري
وورش مضى فيها على أصله معا فسم واشتر العلياء غالية السعر
ويقرأ بالهمز(٣) "النسيء " "وقربة" يخفف فيها الراء كالذال في النذر(٤)
ويقرا بإخبار عن الروح واهبا لمريم من نادى وليدا من الحجر(٥)
و "ثم ليقطعثم "وليتمتعوا" و"ثم ليقضوا" يسكن اللام للأمر
ويقرا بهمز اللاء فافهم وإن يكن عياؤك داء فاسأل الله أن يبري
ويقرأ أو ءاباؤنا الأولون في المكانين(٦) بالإسكان سلني يطب نشري
ويظهر عند واو ياسين(٧) نونها ويدغمها ورش فديتك من حر
ذكر الزوائد
زوائد ورش أربعون وسبعة ووافقه قالون في أكثر الشطر(٨)
ثمان وعشر ثم أفرد نفسه بثنتين صان الله فاك من العفر
(١) - في سائر النسخ "بقطر الحجا"، وفي إحداها "بقصر الحجا" والمراد الشيخ أبو بكر القصري وأضاف القطر إلى الحجا وهو العقل والفطنة تفخيما لشأنه.
(٢) - في أكثر النسخ "وآخر في ياسين". وما أثبته عن بعض النسخ هو الموافق لنظائره فيما تقدم.
(٣) - في نسخة الشيخ الرسموكي "ويهمز النسي.
(٤) - في نسخة ابن الطفيل وشرحه: يخفف فيها العين كالعين من حجر.
(٥) - يعني قوله "لأهب لك".
(٦) - يعني في الصافات والواقعة.
(٧) - في أكثر النسخ "عند الواو"، والمراد "يس والقرآن".
(٨) - في بعض النسخ في أول الشطر.


الصفحة التالية
Icon