وقد عرفت الأندلس نوعا من التعليم الراقي يدخل في هذا التعليم الرسمي وكان ينعت "بالتأديب"، وكان ظهوره في البداية مرتبطا بالقصور، ثم تطور وغدا تعليما قريبا من العموم، وخصوصا في قرطبة حيث كانت له أوقاف خاصة، وكان أكثره تحت إشراف السلطة، ولعل الأخذ بنظام التأديب قد كان في بدايته احتذاء للنموذج المشرقي في قصور الأمراء والولاة، وهو أمر يلفت النظر في تراجم القراء خاصة أصحاب الرحلات العلمية منهم، إذ يلاحظ أن الواحد منهم لا يكاد يعود من رحلته حتى يجد الحظوة والاهتمام من الأمراء وسرعان ما يجري انتدابه للتأديب في القصر، كما نقرأ مثلا في ترجمة الغازي بن قيس القرطبي صاحب نافع، وفي ترجمة محمد بن عبد الله القرطبي صاحب ورش(١)وتطورت هذه الوظيفة حتى أمسى المؤدب الرسمي يعين بمرسوم خلافي، ومن أمثلة هذا النوع ما نجده في أيام الحكم المستنصر (ت ٣٦٦)، وذلك في استقباله للفقيه المقرئ أحمد بن يوسف القسطلي (ت ٣٦١) غداة عودته من رحلته المشرقية، وانتدابه لتأديب ولي عهده أبي الوليد هشام المعروف فيما بعد بالمؤيد، يقول المؤرخ ابن حيان: "عهد بعقد استئماره وبإجراء الرزق عليه: الراتب والحملان والعلوفة، وعهد بإقامة علوفة للأمير أبي الوليد محدودة العدد، موصوفة الأطعمة، تقدم إليه والي من معه من صبيانه كل يوم بموضع حضاره ذلك"(٢).

(١) - سيأتي ذكره هو والغازي بن قيس في رواد قراءة نافع بالأندلس.
(٢) - المقتبس في أخبار بلاد الأندلس لابن حيان ٧٦-٧٧ القسم المنشور بتحقيق عبد الرحمن بن على الحجي نشر دار الثقافة ببيروت ١٩٦٥م. ومثله في تاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي ١/٦٢.

فواحدة في غافر قبل "أهدكم"(١) وثانية في الكهف في قصة الثمر(٢)
ووافقه في "ءال عمران(٣) ثم في أواخر هود(٤) حيث يوعد بالحشر
وفي سورة الإسراء والكهف بعدها وفي طه والشورى وفي النمل عن خبر
وفي قاف في الوسطى، وفي اقتربت لدى ثمان، وفي والفجر في قوله "يسري"
و"أكرمني" سبحانه و"أهانني" وما زاده ورش فإنك قد تدري
علامتهن الحذف في وقف قارئ عليهن والإثبات في وصل ذي حدر
نفعت بها قبل الممات وبعده يحط(٥) بها الأوزار ربي عن ظهري
وقد بقيت علاتها في مسائل وهل هي إلا قطرة من ندى عمري(٦)
(١) - يعني "اتبعون أهدكم سبيل الرشاد".
(٢) - يعني قوله تعالى "إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا".
(٣) - يعني في قوله "ومن اتبعني".
(٤) - يعني في قوله "يوم ياتي لا تكلم نفس إلا بإذنه".
(٥) - في بعض النسخ "وحط بها" على الدعاء.
(٦) - هذا البيت لا وجود له في نسخة شيخي ونسخ أخرى، وهو موجود في نسخ خزانة أوقاف آسفي، والشيخ الرسموكي من مسجد آزرو بنواحي أكادير، ونسخة المرحوم السيد إبراهيم أبو درار من سوق آيت داود بحاحة نواحي الصويرة. وبه يبلغ عدد أبياتها ٢١٢ وهو العدد الموافق لما ذكره بروكلمان في بعض النسخ. ، وما ذكره الزركلي في الأعلام كما تقدم.


الصفحة التالية
Icon