"وأما إقامتهم لمراسيم الشريعة وأخذهم بأحكام الملة ونصرهم لدين الله، فقد نقل عنهم من اتخاذ المعلمين لكتاب الله لصبيانهم، والاستفتاء في فروض أعيانهم، واقتفاء الأئمة للصلوات في بواديهم، وتدارس القرآن بين أحيائهم، وتحكيم حملة الفقه في نوازلهم وقضاياهم، وصاغيتهم إلى أهل الخير والدين من أهل مصرهم للبركة في آثارهم... ما يدل على رسوخ إيمانهم وصحة معتقداتهم، ومتين ديانتهم التي كانت ملاكا لعزهم، ومقادا إلى سلطانهم وملكهم"(١).
مذهب المغاربة في تعليم الناشئة:
ولقد أبدى ابن خلدون وأعاد في ذكر هذه المزية التي لأهل المغرب، وأشار بصفة خاصة إلى اعتمادهم للقرآن الكريم وسيلة تعليمية يزاوجون فيها بين حفظ القرآن وبين تلقي مبادئ القراءة والكتابة من خلاله، بالإضافة إلى المعارف الأولية التي تحصل لهم من خلال ذلك، وفي ذلك يقول: "اعلم أن تعليم الولدان القرآن شعار الدين، أخذ به أهل الملة ودرجوا عليه في جميع أمصارهم، لما يسبق إلى القلوب من رسوخ الإيمان وعقائده من آيات القرآن وبعض فنون الأحاديث وصار القرآن أصل التعليم الذي ينبني عليه ما يحصل بعد من الملكات"(٢).
وتوسع في هذا المعنى شرحا وبيانا وهو بصدد عرض الأنماط التعليمية المستعملة في الأندلس والمغرب وموقع القرآن فيها فقال:

(١) - تاريخ ابن خلدون ٦/١٠٥.
(٢) - مقدمة ابن خلدون ٥٣٨.

لا شك أن ظهور الإمام الحصري في المدرسة الأدائية القيروانية في رواية ورش قد كان وهي تكاد تلفظ أنفاسها الأخيرة، وذلك بسبب الأحداث والفواجع التي منيت بها بغزو أعراب بني هلال للمنطقة وخراب القيروان، وتفرق قرائها وعلمائها أيدي سبأ في أطراف المشرق والمغرب والأندلس، مما ضاع معه مجد المدرسة أو تداعى إلى الضياع، على الرغم من بقاء آثاره المكتوبة في أيدي الرواة، وبقاء بعض الأئمة الذين واصلوا حمل راية اتجاهاتها في المشرق والمغرب كالحصري والهذلي وابن بليمة وابن الفحام وغيرهم من متاخري فحول القيروان.
إلا أن الحصري قد أسدى إلى هده المدرسة خدمة كانت بالنسبة إلى هذا الطور من تاريخها لا تقدر، ولا يغني عنها ما تقدم عليها من جهود أقطاب هذه المدرسة وما بذلوا وأثلوا من جهد ونشاط علمين وذلك بإنشائه لهذه القصيدة التي تمتاز عن جميع مؤلفات القيروانيين والأندلسيين لهذا العهد بإخراجه لها في هذا القالب الشعري البديع، حتى عده بها بعض من كتبوا عن التراث القرائي في المغرب صاحب أول مدرسة للقراءات ظهرت في المغرب(١).
دواعي الاهتمام بها:
ولعل أجلى ما لفت الأنظار إليها لهذا العهد ثم في باقي العهود ما يلي:
١- نفسها الشعري العالي وقيمتها الأدبية التي استمدت طرفا منها من مكانة صاحبها الشاعر الأديب.
٢- إيجازها النسبي واستيعابها لعامة ما يحتاج القارئ إلى معرفته من الأحكام الأدائية العامة أصولا وفرشا في الروايتين: رواية ورش ورواية قالون وعن نافع إمام أهل المدينة النبوية.
٣- اختصاصها بتلخيص قواعد القراءة التي عليها المغاربة وعلى الأخص في إفريقية والقيروان والمغرب
(١) - يمكن الرجوع في ذلك إلى بحث للأستاذ سعيد اعراب بعنوان "نظرة عن التراث القرآني حول مقرأ نافع "نشر بمجلة دعوة الحق العدد ٢٧٣ السنة ١٩٨٩.


الصفحة التالية
Icon