"فأما أهل المغرب فمذهبهم في الولدان الاقتصار على تعليم القرآن فقط، وأخذهم أثناء الدراسة بالرسم ومسائله واختلاف حملة القرآن فيه، لا يخلطون ذلك بسواه في شيء من مجالس تعليمهم، لا من حديث ولا من فقه ولا من شعر ولا من كلام العرب، إلى أن يحذق فيه أو ينقطع دونه، فيكون انقطاعه في الغالب انقطاعا عن العلم بالجملة، وهذا مذهب أهل الأمصار بالمغرب ومن تبعهم من قرى البربر أمم المغرب في ولدانهم إلى أن يجاوز حد البلوغ إلى الشبيبة، وكذا مذهبهم في الكبير إذا راجع مدارسة القرآن بعد طائفة من عمره، فهم لذلك أقوم على رسم القرآن وحفظه من سواهم"(١).
وقد عرض ابن خلدون نمطا آخر في التعليم شاع الأخذ به واستعماله في الأندلس، ونمطا آخر جرى الأخذ به واستعماله مؤخرا بتونس، تتم فيه المزاوجة بين تعليم القرآن وتلقين علوم اللغة والأدب، إلا أن في كلامه ما يدل على أنه إنما يعني طورا متأخرا في الزمن إلى عصره أو قريب منه، ودليل ذلك ما ساقه بعده نقلا عن القاضي أبي بكر بن العربي الاشبيلي (ت ٥٤٣)، إذ ذكر أنه "ذهب في كتاب رحلته إلى طريقة غريبة في وجه التعليم، وأعاد في ذلك وأبدأ، ودعا إلى التعليم على الطريقة الأندلسية بتقديم العربية وآدابها"(٢).
ومع ما ذكره ابن خلدون عن كون ابن العربي دعا إلى التعليم على الطريقة الأندلسية، فإنه ذكر من كلام ابن العربي نفسه ما يدل على أن الطريقة المذكورة أشبه بأن تكون الطريقة المقترحة فقط، أو على الأقل النمط الخاص الذي كان يأخذ به بعض الكبراء في زمنه، استمرارا لما عليه الأمر في المشرق، وإلا فان ابن العربي نفسه في المائة السادسة ينعي على أهل بلده أو على المغاربة عموما، ما درجوا عليه من التبكير بالقرآن في أول طور من التعليم فيقول:

(١) - مقدمة ابن خلدون ص ٥٣٨.
(٢) - المصدر نفسه ٥٣٩.

٤- تمثيلها الصحيح لمذاهب المدرسة القيروانية في الأداء وفي مسائل الخلاف، في مقابل المدارس الأندلسية "مدارس الأقطاب" التي تمثلها بعض المنظومات التي ظهرت بعدها كالشاطبية والبرية وغيرهما.
٥- قيمتها التعليمية المتمثلة في اشتمالها في الغالب على القاعدة معززة بأمثلتها مع خفة الروح في عرضها.
٦- يسرها وإمكانية حفظها من طرف المتعلمين، إما دفعة واحدة في الألواح، وإما بإدراجها في ألواح المتعلمين كلما كان في اللوح ما يتطلب معرفة حكم من أحكام الأداء، على النحو المعمول به إلى الآن(١).
ولقد انعكست العناية بها في مظاهر عديدة يمكن إجمالها فيما يلي:
١) في روايتها بالإسناد بالعرض أو السماع المتصل إلى ناظمها.
٢) في حفظ متنها وتحفيظها للناشئة مع شرح مقاصد الناظم فيها.
٣) في وضع الشروح عليها ومناقشة أحكامها.
٤) في الاستدلال بها في المصنفات المؤلفة في أحكام الأداء وأصول روايتي ورش وقالون.
٥) في معارضتها والنظم على منوالها.
ولا يتسع المجال لتفصيل الحديث عن جميع هذه النقط، ولذلك نكتفي ببعض الإشارات المفيدة في كل نقطة.
روايتها وأهم أسانيدها
فأما روايتها بالإسناد فقد رأينا في أصحابه أسماء عدد ممن سمعها منه مباشرة، وقد بقيت لنا في فهارس جماعة من العلماء وكتبهم طائفة من سلاسل الإسناد التي كانت تروى بها إلى أواخر المائة العاشرة.
(١) - ما يزال العمل على هذا عند المقرئين في الجنوب المغربي عامة حيث تكون النصوص (الأنصاص) المتعلقة بالعدد أو الرسم والضبط أو بأحكام الأداء أو التجويد أو باختلاف القراءات مناسبة لما في اللوح من القرآن.


الصفحة التالية
Icon