"ويا غفلة أهل بلادنا في أن يؤخذ الصبي بكتاب الله في أول أمره، يقرأ ما لا يفهم، وينصب في أمر غيره أهم"(١).
ولهذا نلاحظ أن ابن خلدون وإن كان قد أثنى على الطريقة المقترحة كما يصفها الفقيه صاحب الرحلة المشرقية الطويلة الأمد، فإنه لا يلبث أن يدرك بجلاء أن دعوته تلك صيحة في واد فيقول معقبا على ذلك المقترح:
"وهو لعمري مذهب حسن، إلا أن العوائد لا تساعد عليه، وهي أملك بالأحوال(٢).
ثم لا يلبث أن ينقض ما بناه من إعجاب فيقول: "ان تلقين القرآن في هذه السن المواتية أولى من أن تذهب خلوا منه بحصول القواطع والآفات"(٣).
ومهما يكن فان عناية المغاربة بتحفيظ القرآن للناشئة في هذه السن المواتية، كان لها أثرها البعيد في شيوع حفظه ورسوخ علومه في هذه المناطق كما قدمنا "فهم أقوم على رسم القرآن وحفظه من سواهم"(٤)، وهذا ابن العربي نفسه الذي ينعي على أهل بلده أخذ الصبي بكتاب الله في أول أمره، يقول متحدثا عما شاهده في أنحاء المشرق أثناء رحلته:
"ومنهم ـ وهم الأكثر ـ من يؤخر حفظ القرآن ويتعلم الفقه والحديث وما شاء الله، فربما كان إماما وهو لا يحفظه، وما رأيت بعيني إماما يحفظ القرآن ولا رأيت فقيها يحفظه إلا اثنين، ذلك لتعلموا أن المقصود حدوده لا حروفه، وعلقت القلوب اليوم بالحروف، وضيعوا الحدود خلافا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم"(٥).

(١) - نفس المصدر والصفحة.
(٢) - المقدمة ص ٥٤٠.
(٣) - نفس المصدر والصفحة (بتصرف).
(٤) - مقدمة ابن خلدون ٥٣٨.
(٥) - أحكام القرآن لأبي بكر بن العربي المجلد الرابع ص ١٩٨٤-١٩٨٥.

فقد أسندها العلامة أبو بكر بن خير قال: حدثني بها الشيخ الإمام أبو داود سليمان بن يحيى بن سعيد المعافري المقرئ ـ رحمه الله ـ قراءة مني عليه في قرطبة(١) في المحرم سنة ٥٣٩، وحدثني بها عن ناظمها أبي الحسن الحصري المذكور قراءة منه عليه بمدينة طنجة حرسها الله"(٢).
وأسندها العلامة القاسم بن يوسف التجيبي السبتي (ت ٧٣٠) قال:
"عرضتها على ظهر قلب بالمكتب على سيدي الخطيب الصالح أبي زيد بن صاب رزقه ـ رحمه الله ـ مرات ذوات عدد، وهي مائتا بيت وتسعة أبيات، وأجازها لنا في الجملة الخطيب أبو عبد الله بن صالح بحق قراءته لها على الخطيب أبي القاسم بن الوالي بقراءةه لها على ابن سعادة المعمر وعلى أبي عيسى بن الخصم بفراءتها على ابن هذيل بسماعه من أبي محمد بن سمجون السرقسطي بحق قراءته على ناظمها.
"ويحملها أيضا ابن سعادة وابن الخصم عن أبي الحسن بن النعمة عن أبي القاسم خلف بن محمد بن صواب عن الحصري رحمهم الله أجمعين"(٣).
وأسندها من أهل الاندلس أيضا الإمام أبو عبد الله المنتوري ت (٨٣٤) قال في فهرسته:
"قرات جميعها على الراوية أبي زكرياء يحيى بن أحمد بن السراج، وحدثني بها عن الشيخ الحاج الرحال أبي يعقوب يوسف بن الحسين بن أبي بكر التسولي قراءة، عن الراوية شمس الدين ابي عبد الله محمد بن جابر الوادي آشي سماعا، عن الشيخ أبي عبد الله محمد بن احمد بن حيان الاوسي قراءة بتونس، عن الخطيب أبي محمد بن برطلة عن أبي محمد غلبون بن محمد بن غلبون الأنصاري قراءة بمرسية، عن أبي الحسن علي بن محمد بن النعمة قراءة، عن أبي القاسم خلف بن محمد بن صواب، عن ناظمها قراءة"(٤)
(١) - تقدم أنه كان يقرئ القرآن ويدرس العربية بمسجد ابن السقاء من قرطبة وهو مسجد العطارين.
(٢) - فهرسة ابن خير ٧٤.
(٣) - برنامج التجيبي ٤٢ـ٤٣.
(٤) - فهرسة المنتوري لوحة ١٨.


الصفحة التالية
Icon