فاحفظ كتاب الله واحو علومه فإذا انتهيت فصل إلى الآثار
واعرف صحيح رواية وسقيمها وتحر هدي السادة الأبرار
وعلى الإمام الأصبحي فعولن(١)فهو العليم بموقع الأخبار"(٢)
٥- في العناية بالمصاحف الشريفة استنساخا وتجويدا ونشرا
أما العامل الخامس من مقومات المدرسة القرآنية في المغرب والذي كان له أثره أيضا في تعليم كتاب الله وتعميمه، فهو المصاحف المكتوبة، سواء منها مصاحف السلف التي وصلت إلى هذه الجهات وكانت القراءة عليها وبمضمن حروفها، أو تلك التي استنسخت فيما بعد وجرى اعتماد الناس عليها في تقويم الرسم ومعرفة مواقع رؤوس الآي، ونحو ذلك مما يستعان عليه بالمصاحف المعتمدة، ومعلوم أن القرآن الكريم كما دخل إلى هذه المناطق محفوظا في الصدور، دخل إليها في الوقت نفسه مكتوبا في السطور، ولا شك أن المصاحف الأولى التي دخل بها الصحابة والتابعون قد كان لها أثرها في دعم حركة التعليم والإقراء وتزويد المكاتب بوسيلة أساسية يستأنس بها المتعلمون، ويرجع إليها المعلمون في تصحيح التلاوة وتحقيق الحروف ونحو ذلك عند الاقتضاء.
ويمكننا تقدير عدد المصاحف التي وردت على افريقية والمغرب غداة الفتح بالنظر إلى ما نعرفه من سيرة السلف في الصدر الأول، حين كان الواحد منهم لا يكاد يفارق مصحفه حتى وهو في أحرج المواقف وحتى كان ربما يستشهد ومصحفه في حجره أو في عنقه(٣).
(١) - هو الإمام مالك بن أنس امام المذهب، وسيأتي في الرواة عن نافع المدني.
(٢) - للقطعة بقية يمكن الرجوع إليها بتمامها في الذيل والتكملة لابن عبد الملك ١/١١٤ ترجمة ١٤٨.
(٣) - من أبرز الأمثلة على وجود المصاحف بكثرة في معسكرات الجند وحملهم لها في المعارك، حادثة رفع المصاحف على رؤوس الرماح يوم صفين، وقد قدر عددها بخمسمائة مصحف.

وأسندها من المغاربة في أواخر المائة التاسعة أبو عبد الله بن غازي (ت ٩١٩) فقال في سياق حديثه عن مروياته عن الشيخ أبي عبد الله محمد بن أبي القاسم محمد بن يحيى بن أحمد بن السراج المذكور في إسناد الإمام المنتوري: "أخبرني بها عن أبيه عن جده عن القاضي ابن مسلم(١) عن ابن سليمان(٢) عن أبي علي بن الناظر(٣) عن أبي عبد الله بن علي بن الزبير القاضي الخطيب القضاعي عن أبي الحسن بن عبد الله بن النعمة البلنسي، عن أبي القاسم بن صواب(٤) عن ناظمها"(٥).
ولعل في هذه الامثلة المتنوعة ما يكفي في الدلالة على مبلغ حرص الأئمة على روايتها والمحافظة على اتصال السند بها في جملة ما كانوا يحرصون على إسناده من علوم وآثار.
ـ وأما عنايتهم بحفظها وتحفيظها للناشئة وشرح مقاصد الناظم فيها لهم فهي متضمنة في استمرار الحرص على روايتها، ولقد كانت منذ ظهورها من المصادر الأساسية في تلقين أصول الاداء، ولذلك كانت تحفظ للناشئة في الكتاتيب كما رأينا في قول القاسم التجيبي بالنسبة لسيتة وأبي حيان بالنسبة لغرناطة، ثم أخذت مكانها بين مصادر الدراسة المعتبرة فيما عرف فيما بعد بـ"الكراريس" وهي المتون المعتمدة في تدريس مختلف الفنون(٦).
(١) - هو أبو محمد عبد الله بن أحمد المعروف بابن مسلم سيأتي ي أصحاب أبي الحسن بن سليمان القرطبي.
(٢) - هو أبو الحسن علي بن أحمد بن سليمان القرطبي شيخ الجماعة بفاس سيأتي.
(٣) - هو أبو علي بن أبي الأحوص الآنف الذكر.
(٤) - تحرف إلى "ابن"صواف" بالفاء وعلق المحقق بأنها مصوبة بهامش إحدى السخ "صواف" بالفاء.
(٥) - فهرسة ابن غازي ٩٧.
(٦) - يمكن الرجوع في موضوع الكراريس التي كانت تدرس بالقرويين والأوقال المرتبطة بها إلى بحث للأستاذ محمد المنوني في حلقات بعنوان "أوقاف بدون كرسي على مواضع معينة بجامعي القرويين والأندلس ـ الحلقة الثالثة المنشورة بمجلة دعوة الحق المغربية العدد ٦ السنة ١٩٦٦.


الصفحة التالية
Icon