وقد كان قادة الفتح يختارون للقيادة والإمارة غالبا من بين القراء، أو يبعث معهم من القراء من يسد الحاجة في مجال التعليم والإمامة والتوجيه العام، وقد عرف لطائفة من أولئك الأمراء والمرشدين المنتدبين مصحفه الخاص الذي كان يقرأ فيه ويقرئ على أساسه بالحرف الذي قرأ به على رسول الله ـ ﷺ ـ أو غيره ممن كان يقرئ من قراء الصحابة والتابعين.
ولا شك أن المناطق المغربية على اختلافها قد استفادت من مصاحف الولاة والفاتحين في هذا المضمار، سواء في عهد التبعية لدار الإمارة بمصر، أو بعد استقلالها بقاعدتها وامارتها في القيروان، أو بعد ذلك حين اتسعت الرقعة وامتدت عبر الأقاليم الأندلسية والمغربية.
ويمكن بهذا الاعتبار أن تكون مصاحف الولاة الأولين بمصر قد عرفت الطريق إليها وتداولها الناس بالنسخ والقراءة، ومن أهمها "مصحف عقبة بن عامر" ـ رضي الله عنه ـ الذي ّمات وهو وال بمصر سنة ٥٨هـ"(١)"وكان مقرئا فصيحا مفوها من فقهاء الصحابة"(٢)، وكان له مصحف خاص كتبه بخطه(٣)، وقد لاحظ ابن يونس صاحب تاريخ مصر وجود اختلاف بينه وبين مصحف عثمان في ترتيب السور، قال: "وهو الآن موجود" ـ يعني في زمنه ـ(٤).

(١) - مشاهير علماء الأمصار لابن حبان ٥٥ ترجمة ٣٧٨.
(٢) - العبر في أخبار من غبر للحافظ الذهبي ١/٦٦٢.
(٣) - القرآن وعلومه في مصر للدكتور عبد الله خورشيد البري ١٥٨ نقلا عن ابن يونس.
(٤) - رآه ابن يونس رأي العين عند زميله ابن قديد، وذكر أنه على غير تأليف مصحف عثمان. انظر كتاب الانتصار لواسطة عقد الأمصار لابن دقماق ٤/١١ طبعة القاهرة ١٨٩٣. توفي ابن يونس سنة ٣٤٧.

وقد ذكر أبو زيد بن القاضي في أول باب الراءات من شرحه على ابن بري أن الناس كانوا بفاس يقرأون حرف نافع من "الحصرية" قبل قدوم الناظم ـ يعني أبا الحسن بن بري ـ إليها وقبل قدوم تأليفه ـ يعني "الدرر اللوامع ـ "حتى باب الراءات فيقرأونها من الحرز".
ولا يخفى أن عدولهم عن الحصرية إلى "حرز الأماني" للشاطبي في باب الراءات إنما سببه التزام الحصري في هذا الباب بالأصول الأدائية التي أخذت بها مدرسته كترقيق راء قرية ومريم وبين المرء وتفخيم وزر أخرى ووزرك وحذركم ونحو ذلك مما يخالف المذهب الرسمي الذي اعتمدته المدرسة المغربية واخذت فيه باختيارات أبي عمرو الداني وأصول مدرسته كما سياتي عند الشاطبي وابن بري بعون الله.
وأما وضع الشروح عليها وتبيين مقاصدها ومناقشة الناظم في كثير من قضاياها فقد نالت كلها من العناية نصيبا وافيا يتناسب ومكانتها وشغف أهل هذا الشان بها، إلى أن زاحمتها في الميدان منظومات أخرى استأثرت بالاهتمام الأكبر، وعلى الأخص منظومتا الشاطبي وابن بري اللتان استحوذتا على السواد الاعظم من القراء، واستنفذنا معظم الجهود التي كان يبذلها مشايخ العلم وأئمة الإقراء كما سنقف عليه فيما نستقبله من هذا البحث بعون الله.
أما الشروح التي وضعت عليها فهي عديدة، إلا انها ـ فيما عدا يسيرا منها ـ تعتبر في حكم المفقودة، وهذه أسماء بعض شروحها وشراحها مما وقفت على ذكر أو النقل عنه :
شروح القصيدة الحصرية:
١- شرح أبي جعفر أحمد بن علي بن الباذش صاحب "الإقناع " (ت ٥٤٠)
تقدم ذكره في آثاره نقلا عن بعض شراح الدرر اللوامع كالمنتوري وابن القاضي وغيرهما، وهو مفقود فيما أعلم.
٢- شرح أبي الحسن محمد بن عبد الرحمن بن الطفيل العبدي (العبدري) الاشبيلي يعرف بابن عظيمة (٥٤٣)


الصفحة التالية
Icon