وكان بمصر "مصحف عبد الله بن عمرو بن العاص"، وهو من قراء الصحابة وممن "وردت عنهم الرواية في حروف القرآن"(١)، وقد روى أبو بكر بن أبي داود السجستاني في كتاب المصاحف بسنده عن أبي بكر بن عياش(٢)قال: "قدم علينا شعيب بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، فكان الذي بيني وبينه، فقال يا أبا بكر، ألا أخرج لك مصحف عبد الله بن عمرو بن العاص؟ فأخرج حروفا تخالف حروفنا.."(٣).
وكان بمصر أيضا "مصحف عبد العزيز بن مروان"، وكان واليا عليها لأخيه عبد الملك، وقد كتب هذا المصحف أنفة وحمية حين أرسل الحجاج بن يوسف عامل الأمويين إلى مسجد الفسطاط الجامع بنسخة من المصحف العثماني الامام، فغضب وامتعض لذلك وقال: "أيبعث إلى جند أنا فيه بمصحف"(٤).
فمن المحتمل أن هذه المصاحف وأمثالها مما كان متداولا في مصر أو غيرها كالحجاز والشام قد دخلت في زمن الفتح وبعده على أيدي الفاتحين من الصحابة والتابعين، هذا بالإضافة إلى ما قد يكون لهؤلاء من مصاحف أخرى أو نسخ عن المصاحف التي كانت مشهورة كمصحف ابن عباس ومصحف ابن عمر ومصحف ابن الزبير ومصحف عائشة وغيرها مما كان معروفا(٥).

(١) - غاية النهاية ١/٤٣٩ ترجمة ١٨٣٥.
(٢) - هو المعروف بشعبة عند القراء أحد راويي قراءة عاصم (٩٥-١٩٣) معرفة القراء الكبار للذهبي ١/١١٠-١١٥ الطبقة الرابعة. وغاية النهاية لابن الجزري ١/٣٢٥-٣٢٧ ترجمة ١٤٢١ ووفيات الأعيان ٢/٣٥٣.
(٣) - المصاحف ٩٣.
(٤) - فتوح مصر لابن عبد الحكم ١١٧-١١٨ طبعة ليدن ١٩٢٠.-ــ والانتصار لواسطة عقد الأمصار لابن دقماق ٧٢.
(٥) - يمكن الرجوع في معرفة بعض الفروق بين المصاحف المذكورة إلى كتاب المصاحف لابن أبي داود ٩٢-٩٨.

واسم هذا الشرح "منح الفريدة الحمصية في شرح القصيدة الحصرية"، بهذا العنوان ذكره ابن خير الاشبيلي وقال: "حدثني به إجازة في جملة رواياته وتواليفه رحمه الله"(١)، وبه سماه ابن عبد الملك(٢) وسقط عند ابن الأبار والمقري لفظ "منح"(٣)، ونقل عنه المنتوري أو أشار إليه في أماكن كثيرة من شرح الدرر اللوامع.
وقد أشرت في أول هذا البحث إلى وصول هذا الشرح إلينا مخطوطا في نسخة فريدة لا أعلم لها ثانية وهي بخزانة ابن يوسف بمراكش(٤)، واوله قوله:
"قال أبو الحسن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن الطفيل العبدري قرن الله التوفيق بقوله، ولا وكله ساعة إلى قوته وحوله: الحمد لله الذي علمنا كتابه، وفهمنا خطابه، ووعدنا بفضله ثوابه، وحذرنا بكرمه عقابه، وسوغنا عميم أفضاله وانعامه، ووسمنا بسيما حاملي كلامه، وإياه أسأل أن يجعلنا ممن قرأه فتدبر، وعمل بما فيه وتبصر، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله...
"ولما رأيت بهاء الذكر في التأليف، رغبت أن يتهيأ لي غرض يخرج(٥) التصنيف، وقد كان رغب إلي من الأتراب، من قد واريناه في التراب، في شرح قصيدة أبي الحسن علي بن عبد الغني الحصري ـ رحمه الله ـ إذ كانت في روايتي عن أبي الحسن بن بليمة الاسكندري، حدثني بها بالاسكندرية عن مؤلفها إجازة".
(١) - فهرسة ابن خير ٧٤.
(٢) - الذيل والتكملة ٦/٣٥٩ـ٣٦١ ترجمة ٩٥٢.
(٣) - التكملة ١/٤٤٥ـ٤٤٦ ترجمة ١٢٨١ ونفح الطيب ٢/٣٥٥ ومثله في إيضاح المكنون للبغدادي ١/١٨٩.
(٤) - رقم المخطوطة ٢٩٨، وتقع في صفحة ٢٤٠ من القطع المتوسط بخط مغربي جيد مقروء في الجملة والخروم نادرة فيه مع عتاقة النسخة، وتاريخ نسخها يوم الثلاثاء ١٥ ذي القعدة عام ٧٢٨، وليس فيها ذكر لاسم الناسخ ولا لعنوان التأليف وقد قام بتحقيق هذا الشرح بعد كتابتي لهذه الدراسة الأستاذ توفيق عبقري من مراكش وحصل به على دبلوم الدرسات العليا وأهداني نسخة منه شكر الله له.
(٥) - كذا، ولعل في العبارة سقطا.


الصفحة التالية
Icon