وقد وصلت إلينا إشارات في هذا الصدد عن وجود مثل هذه المصاحف أو نسخ عنها أثناء الفتح، وقد قدمنا أسماء كل من ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وسواهم ممن شاركوا في الفتح، ولذلك كان وجود الرواية عنهم في هذا المجال أمرا طبيعيا(١).
- المصحف العقباني:
على أن هنالك ذكرا أيضا لمصحف الفاتح الأول للمغرب عقبة بن نافع، وقد عرف مصحفه بالمصحف "العقباني" في مقابل المصحف "العثماني"، "وكان الملوك يتوارثونه بعد المصحف "العثماني" "(٢).
ومن الراجح أن مصحفه قد انتسخه بالقيروان من المصحف الامام "العثماني"، وظل تتداوله الأيدي وتترامى به الأحداث إلى أن وقع إلى الأشراف الزيدانيين، ثم إلى المولى عبد الله بن المولى إسماعيل العلوي، فغربه إلى المشرق مرة أخرى "ورجع الدر إلى صدفه، والإبريز إلى معدنه".
ومن الراجح أيضا حصول افريقية على نسخة أو أكثر من المصحف الامام على عهد بني أمية، فقد رأينا كيف أرسل الحجاج بنسخة منه إلى المسجد الجامع بمصر. ولا يقال هنا انه لو كان لاشتهر وبقي متداولا، إذ أن كثيرا من ذخائر التراث المغربي في هذه الجهات قد ضاع، لا سيما في مدينة تعرضت لما تعرضت له كالقيروان من الحرائق المريعة والفتن الهائلة لعهود طوال، ثم كانت نهايتها الخراب العام.

(١) - تشككت الباحثة التونسية هند شلبي في إمكانية دخول هذه المصاحف مع أصحابها زمن الفتح، يمكن الرجوع إلى أول الباب الثاني من كتابها "القراءات بافريقية" ص ٤٧.
(٢) - المصحف الشريف للباحث محمد المنوني مجلة دعوة الحق العدد ص ٧١ السنة ١٩٦٨.

وحين تأملتها رأيت ناظمها قد أودع القصيدة جملا لم يحتج إلى بسطها لفهمه، وقياسات لم يستوف حدها في كلمه، فاستخرت الله تعالى واستعنته، وسألته الإنجاد(١) فيما رغب إلي فيه ورغبته، فعسى دعوة من تائب يحظى بها حيا وميتا".
"ونثلت القصيدة في كتابي هذا بيتا بيتا، ليكون جامعا لكلامه وكلامنا، مفيدا لمن رغب في نظمه أو نظامنا، ومن كره كلامنا لحسد عرض في النفس، وكان له في تلك القصيدة غرض وانس، نفقت سلعتها ببيان تلك، وكانت كخرزة في سلك(٢).
ثم ذكر المؤلف ضرورة المعرفة بمخارج الحروف لفهم ما سيأتي في القصيدة، فبدأ بعقد باب لها فقال: "باب نذكر فيه مخارج حروف المعجم"، ثم ذكرها واتبعها بباب آخر بعنوان "باب صفات الحروف" ثم بعد البابين بدأ بعرض المقدمة النثرية التي استهل بها الحصري قصيدته دون تعرض لها بشرح أو تعليق ثم ذكر الأبيات الأولى من القصيدة إلى قوله "فوائد تغني القارئين عن المقرئ" فقال:
"قلت ـ معتصما بالله ـ: "قول أبي الحسن" من الشعر ".... فشرح معاني الأبيات ثم انتقل إلى قوله:
وأذكر أشياخي الذين قرأتها عليهم فأبدا بالإمام أبي بكر
فقال: "حروف القراءة لم تترك سدى، بل نقلتها أئمة هدى، فحق على من روى ان ينشر قراءته وأسانيده، ويظهر روايته وتقييده، ففي الرجال الثقة المحسن، وفيهم الضعيف الوهن، وما ضره أن ذكر مدة قراءته على من اختلف إليه، كما نفعه أن شكر نعمة من أنعم عليه، كذا كان الناس المقصر في أوصافهم، "ذهب الذين يعاش في أكنافهم"(٣)،.. ثم أخذ في التعريف بمشايخ الحصري الثلاثة المذكورين في القصيدة.
وهكذا تابع حل أبيات القصيدة مبينا أحيانا ما قرأ به كقوله في باب البسملة عند ذكر السكت والوصل:
(١) - في الأصل "الاستنجاد".
(٢) - ورقة ١ـ٢.
(٣) - هو شطر بيت مشهور ينسب إلى أمير المومنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه والبيت بتمامه:
... ذهب الذين يعاش في أكنافهم... وبقيت في خلف كجلد الأجرب.


الصفحة التالية
Icon