ويقوي ما ذهبنا إليه ما أفاده العلامة العبدري في رحلته من وقوفه بالقيروان لما زارها سنة ٦٨٨هـ على ما يشبه أن يكون نسخة من مصحف عثمان، وفي ذلك يقول: "ودخلنا بيت الكتب، فأخرجت لنا مصاحف كثيرة بخط مشرقي... ورأيت بها مصحفا كاملا مضمونا بين لوحين مجلدين غير منقوط ولا مشكول، وخطه مشرقي بين جدا مليح، وطوله شبران ونصف، في عرض شبر ونصف، وذكروا أنه الذي بعثه عثمان ـ رضي الله عنه ـ إلى المغرب، وأنه بخط عبد الله بن عمر رضي الله عنهما"(١).
وما قيل عن المصحف العثماني بالنسبة للقيروان يقال مثله بالنسبة للأندلس، فقد ذكر المقري ما يفيد وجود نسخة منه بجامع قرطبة في أيام الأمويين، وذلك إذ يقول: "وفي الجامع المذكور في بيت منبره مصحف أمير المؤمنين عثمان بن عفان ـ رضي الله تعالى عنه ـ الذي خطه بيده، وعليه حلية ذهب"(٢).
وما تزال في بعض ذخائر القيروان التي أفلتت من النهب، بقايا من المصاحف التي خطها بعض رجال السلف في الصدر الأول، ومنها "مصحف شريف بقلم مغربي، كتبه خديج بن معونة بن سلمة الأنصاري سنة ٤٧ هـ بمدينة القيروان، كتبه للأمير عقبة بن نافع الفهري"(٣).
وإلى جانب هذه المصاحف الرسمية، فإن الأخبار كثيرة عن وجود مصاحف فردية كثيرة كانت بأيدي التابعين، وأنها كانت ترافقهم في الحل والترحال، "فعندما هبت على الأسطول الإسلامي في فتح الأندلس ريح عاصفة وضربت المراكب بعضها ببعض، دعا الجنود الله، وتقلدوا المصاحف"(٤).

(١) - رحلة العبدري ٦٥.
(٢) - نفح الطيب ٢/٨٦ ويمكن الرجوع في تتبع ما آل إليه أمر هذا المصحف إلى الاستقصاء ٣/٧٥.
(٣) - تاريخ الخط العربي في العصر الأموي للدكتور صلاح الدين المنجد ٨٣ الطبعة ١ بيروت ــ ١٩٧٢.
(٤) - فتوح مصر لابن عبد الحكم ٢٠٨.

"فاما ورش من طريق أبي يعقوب فلم يرو عنه الفصل ما بين السورتين ـ يعني بالبسملة ـ ورواها عنه أحمد بن صالح، وبعض القراء يفصل بها بين السورتين في رواية أبي يعقوب لفضلها وبعض يتركها فيه، وبهما قرأت له(١).
وقال عند ذكر التسمية وتركها في أول الأجزاء: "ولم أقرأ في افتتاح الأجزاء ببسملة، وقد نص عليها بعض شيوخنا، ووجهه عندي أنه جعل البسملة شرطها الابتداء للفضل، لا أنه أتى به بين السورتين للفصل، وعلى الوجه الاول الغالب من المؤلفين"(٢).
وهكذا تابع شرحه بابا بابا إلى ان انتهى من القصيدة فقال: قال ابو الحسن وفقه الله وتاب عليه: رايت أن أضيف إلى هذا الباب يعني الياءات الزائدة ـ ما اتفق القراء على إثبات الياء فيه في الوصل والوقف، البقرة و"اخشوني ولأتم"، وإن الله ياتي بالشمس.... ثم قال بعد تمامها واتفق القراء على حذف الياء في الوصل والوقف في كلمات، وجملتها سبعون كلمة، في البقرة "وإياي فارهبون" "وإياي فاتقون"... ثم قال في تمامها، فهذه جملتها، قرأ القراء السبعة بحذفها في الحالين اتباعا لخط المصحف، فاعلم ذلك وبالله التوفيق... قال الناسخ: تم الكتاب والحمد لله رب العالمين، وذكر تاريخ النسخ.
٣- شرح الحصرية لمحمد بن أحمد بن محمد الانصاري القرطبي
ترجم ابن عبد الملك وقال: روى عن أبي القاسم خلف بن عبد الله(٣) بن صواب وأبي مروان إسماعيل بن محمد بن سفيان(٤)، وكان مقرئا مجودا عارفا بالقراءات، قال:
"وله شرح على قصيدة أبي الحسن الحصري في قراءة نافع لا بأس به"(٥).
(١) - ورقة ٢.
(٢) - ورقة ١٣.
(٣) - كذا ولعل الصواب كما تقدم خلف بن محمد بن صواب.
(٤) - هو إسماعيل بن محمد بن سفيان السلمي أبو علي من ناحية دانية، من أصحاب أبي العباس أحمد بن أبي عمرو الداني، أخذ بدانية القراءات عنه، وأقرأ بها ـ ترجمته في التكملة ١/٨١ ترجمة ٤٧٩.
(٥) - الذيل والتكملة ٦/٥٩ ترجمة ١٢٧.


الصفحة التالية
Icon