كل ذلك وغيره يدل على مدى شيوع استعمال المصاحف وسعة انتشارها بين العامة والخاصة، باعتبارها إحدى أهم الوسائل التعليمية، ولا يخفى ما كان يترتب على ذلك من دخول القرآن إلى كل بيت، وذلك ما رمينا إلى رصده في مساره من خلال هذا الاستعراض لمقومات المدرسة القرآنية في الأقطار المغربية في الصدر الأول، والوسائل التي اعتمدتها في تعليم القرآن وتعميمه، ولعلنا من خلال ذلك قد انتهينا مع القارئ الكريم إلى تصور شامل عن المسار العريض الذي سارت عبره المسيرة القرآنية في هذه الديار، وما أخذت به من أساليب ومناهج في التلقين والتعليم، متدرجة بذلك كله نحو الوحدة الشاملة التي نعمت بها ردحا طويلا من الزمن، والتي كان من أجلى مظاهرها "وحدة القراءة" و"وحدة المذهب".
وقبل أن نتطرق إلى تتبع المنافذ والمسالك التي عبرت منها هذه القراءة التي توحدت الأقطار المغربية عليها، ـ أعني قراءة نافع ـ أرى من المفيد أن نحاول التعرف باختصار على أهم ما عرفته الأمصار الإسلامية في المائة الأولى والثانية من قراءات، وكيف كانت أصداؤها تتجاوب في المناطق المغربية على تفاوت في المستوى والدرجة إلى أن كانت الغلبة للاتجاه المدني لعوامل وأسباب نقف عليها آخر هذا الباب ــ أدت إلى اجتماع الناس في عامة الأقطار والجهات المغربية على قراءة امام دار الهجرة في القراءة نافع بن أبي نعيم المدني.
الفصل الثاني:
القراء والقراءات المتداولة
في المناطق المغربية قبل دخول قراءة نافع
وقد أشار أبو كيل ميمون إلى مذهبه فقال:

لشبه حرف الراء بالمستعلي...... عن ابن مطروح أتى في النقل(١)
وبعضهم عكس هذا النقلا واتخذ الترقيق في الرا أصلا
وقد نقل عنه شراح الدرر بعض آرائه وفوائده، وبسط الكثير منها بلفظه الشيخ عبد الرحمن بن محمد الثعالبي في شرح الدرر اللوامع المسمى بـ"المختار من الجوامع، في محاذاة الدرر اللوامع "فنقل عنه في مواضع كثيرة أكتفي منها بما قاله في باب الهمز بعد أن ذكر قول الحصري:
"ولا تهمزن ما كانت الواو أصله كقولك في "الإنسان" يوفون بالنذر".
قال الثعالبي: قال شارحه محمد بن داود بن مطروح: يريد لا تهمز لقالون من الأفعال المستقبلة إلا ما كان أصله الهمز، يريد في الماضي، ولا تهمزن له منها ما كان أصله واوا أو ياء، وذلك أنه متى أشكل ذلك عليك ولم تدر ما أصل الفعل من ذلك رددته إلى ماضيه، فإن وجدت فاء الفعل منه همزة همزت مستقبله، وذلك نحو "ءامن يؤمن"، و"آتى يؤتي" و"آثر يؤثر"، وكذلك "أكل يأكل"، و"أخذ يأخذ"، وكذلك "استأجر يستأجر" وأشباه ذلك، وإن اختبرت ماضي الفعل فوجدت فاء الفعل منه ياء أو واوا فلا سبيل إلى همز مستقبله بوجه، نحو "يوفون" و"يوفضون" و"يوقنون" و"موسعون" و"يوعدون" وشبه ذلك، ألا ترى أنك تقول في الماضي من ذلك أوفى وأوفض وأوسع وأوعد وأيقن، وكذلك ما أشبهه، وإن كانت الكلمة اسما لم يخل ذلك الاسم أن يكون جاريا على فعل أو غير جار، فإن كان جاريا نظرت إلى الفعل الذي يجري عليه واعتبرته بما تقدم، مثل "موجلا" و"المولفة" وشبه ذلك، وإن كان غير جار على فعل نظرت اشتقاقه، فإن لم تعرف اشتقاقه وقفت عند السماع والرواية، على هذا الأصل تقيس جميع ما خفي عليك من كل ساكن يعرض لك فأشكل أمره ـ انتهى كلام ابن مطروح ـ"(٢).
(١) - تحفة المنافع لميمون الفخار (مخطوط) وسيأتي.
(٢) - المختار من الجوامع ٤٩ـ٥٠.


الصفحة التالية
Icon