دخل المناطق المغربية ـ كما قدمنا ـ عشرات من الصحابة، ووصلت طائفة منهم إلى أقصى ما بلغته راية الإسلام في الغرب، وكان معهم من التابعين عامة الجيش الفاتح، ودخل معهم كتاب الله ـ كما رأينا ـ محفوظا في الصدور ومكتوبا في السطور، وكان يقدم راية الجهاد حيثما توجهت ويستأثر بأوقات الفاتحين تعلما وتعليما وتلاوة وتهجدا، فكانوا ـ كما وصفوا بحق ـ رهبانا بالليل ليوثا بالنهار، وكان محور هذا النشاط في المعسكرات مجموعة من قراء الصحابة وفقهائهم يجدون عندهم العتاد الروحي والغذاء المعنوي، فهم الموجهون والمرشدون، والمعلمون والمقرئون، والمفسرون للكتاب والمبلغون للسنة النبوية.
ولقد وقفنا من قبل على أسماء طائفة من خيارهم ممن شاركوا في فتح هذه المناطق وكانوا مادة الإسلام الأولى بها، وتحدثنا عن احتمال دخول مصاحفهم، وما قد تكون استفادته من وجودها بين ظهرانيهم، وما كانت تخلفه معها إقامة الصحابي في بلد من البلدان أو دخوله إليه، من أصداء وآثار بليغة في الحياة العلمية والدينية.
ونقل ابن القاضي في الفجر الساطع عنه في باب المد ما يفيدنا في تقدير الزمن الذي عاش فيه، إذ جاء في خبر عنه انه التقى في رحلته إلى الحج بالمقرئ الكبير الذي ترجمنا له في المتصدرين بسبتة أبي الحسن على بن محمد بن عبد الله الكتامي الضرير (٥٩١ـ٦٧٦) قال ابن مطروح:
"ولقد لقيت في رحلتي إلى المشرق مقرئا أعمى في جامع تلمسان يأخذ بالتمطيط الزائد والتفكيك(١) المفرط، وكان مده في "ألم" بقدر ما يبلغ نفسه، لا يزيد على ذلك إلا الذال من "ذلك" ليبتدئ بها ثم انتقل إلى سبتة وأقرأ بها، كان يعرف ـ فيما ذكر لي ـ بابن الخضار، قال ـ يعني ابن مطروح ـ:
"وهذا هو الذي أنكره أئمة القراء، إلا أن يكون على وجه الرياضة، فقد روي أن سفيان الثوري مر على حمزة وهو يأخذ بالتمطيط الزائد والتفكيك(٢) المفرط فقال: ما هذا يا أبا عمارة؟ فقال: إنها رياضة للمتعلم فقال: صدقت(٣)، فكان بعض السلف يأخذ بذلك على سبيل الرياضة، لا على سبيل الحقيقة"(٤).
٧- شرح الحصرية للجوهري
ويظهر أن الشارح من أهل الأندلس من أهل الثامنة، ولم اهتد إلى معرفته، ينقل عنه المنتوري وابن القاضي في شرحيهما على ابن بري.
ومن فوائده التي نقلها عنه المنتوري قوله في باب البسملة عند ذكر كتابة سورة "براءة" دون بسملة: قال الجوهري في شرح الحصرية: "إن من سيرة العرب في الجاهلية إذا كان بينهم وبين أحد عهد، وأرادوا نقضه، كتبوا إليهم كتابا دون بسملة، قال ـ فكذلك كتب إليهم النبي ـ ﷺ ـ كتابا فقراه عليهم علي بن أبي طالب دون بسملة في الموسم، على حال ما جرت به عادتهم في الجاهلية"(٥).
٨- شرح الحصرية لابن وهب الله

(١) - كذا ولعله "التمكين" أي زيادة المد.
(٢) - نفسه.
(٣) - انظر قول حمزة في جمال القراء لعلم الدين السخاوي ١/٤٧١.
(٤) - نقله في الفجر الساطع لوحة ٢٠.
(٥) - ذكره المنتوري في آخر باب البسملة.


الصفحة التالية
Icon