ونؤكد هنا أن استفادة المناطق المغربية من دخول هذه "الأطر" العلمية كانت استفادة كبيرة، ونحن وإن كنا لا نستند في تقدير مدى هذه الاستفادة إلى وثائق مادية أو أخبار مدونة كثيرة، فإننا باستجماع ما هو في المتناول، نحصل على تمثل وتصور تقريبي لذلك يتأتى لنا من خلاله الحكم دون مجازفة، اعتبارا لما كانت عليه هذه المناطق من حاجة ماسة في هذا المجال، ولما كان أولئك العلية من أهل العلم والدين يحظون به من الاحترام والتقدير العام، مما يبعد معه أن يوجدوا في جند من الأجناد دون أن يستقطبوا الهمم، ويلتف عليهم الجم الغفير من أهل الرغبة والحاجة إلى المعرفة الدينية، ولاسيما طلاب كتاب الله الذين يتمثلون في مجالسهم كلمات النبوة ونفحات الإيمان. فنحن إذن حين ندرس تاريخ الفتح، ندرس معه تلقائيا تاريخ اتصال المغاربة بقراءة القرآن، ويبقى لنا فقط أن نتساءل عن نوع القراءة التي كانت من بواكير ما قرأوا به كتاب الله ؟
للجواب عن ذلك نبادر إلى التأكيد بأن المناطق المغربية لم تكن بدعا في هذا الشأن بالقياس إلى غيرها من ديار الإسلام، فالقراءات في الأمصار الإسلامية على العموم قد سارت في مسار واحد اقتضته التطورات التاريخية من جهة، كما اقتضاه تحول القراءة إلى صناعة واختصاص(١).
وتبعا لذلك يمكن تمثل المراحل التي مرت منها في ثلاثة أطوار متتالية:
أ طور القراءة الفردية
ب طور الاختيار بين القراءات
ج- طور الاستقرار على قراءة مختارة في كل مصر أو قطر.
نص لأبي عبيد في قراء السلف:

(١) - لعل أول من تحدث عن تحول القراءة إلى صناعة أبو بكر بن العربي في كتابه "العواصم من القواصم" وذلك حين نعى على القراء إهمالهم للتفقه في الدين، واتخاذهم القراءة صناعة رفرفوا عليها "العواصم" ١/١٩٩-٢٠١.

ويظهر أيضا أنه من اهل الثامنة، ينقل عنه المنثوري معطوفا على الجوهري المذكور قبله، ويفرده بالذكر قليلا كقوله في باب الراءات: قال ابن وهب في شرح الحصرية:... ثم ذكر الخلاف في "ولو أراكهم" في سورة الانفال(١).
وذكره ابن القاضي في باب الإمالة عند ذكر إمالة الاسم المقصور المنون نحو "قرى" و"هدى" في حالة الوقف فقال: "وذكر ابن الطفيل والمرجيقي وابن وهب الله في شروحات الحصرية، وابن القصاب في تقريب المنافع الفتح مطلقا، والإمالة مطلقا"(٢).
٩- شرح الحصرية لأبي عبد الله محمد بن إبراهيم الاموي الشهير بالخراز صاحب مورد الظمآن (٧١٨)
ذكره للمؤلف عامة من ترجموا له من شراح المورد، وقال شارحه الاول أبو محمد بن أجطا: "وله شرح على الحصرية أخبرني به رحمه الله"(٣).
١٠- الحصرية لابن الأشيري:
وهو عبد الله بن محمد بن عبد الله بن علي الصنهاجي يكنى أبا محمد ويعرف بابن الأشيري سمع من أبي بكر بن العربي وغيره بالأندلس. قال ابن الأبار: وكان كاتبا لصاحب المغرب.. ثم قال:
وله شرح في قصيدة الحصري. وتوفي في شهر رمضان سنة ٥٦١(٤).
هذه هي الشروح التي وقفت على ذكرها أو النقل عنها.
إشعاعها في مؤلفات الأئمة ومعارضتها:
وأما الاستدلال بها في المؤلفات واعتماد مذاهبها وعلى الأخص عند شراح الدرر اللوامع وحرز الأماني، فأمر عام يصعب تتبعه واستقصاؤه، إذ نجد جماعة منهم قد التزموا ذلك في عامة الأبواب الأصولية كما نجده عند المنتوري وابن القاضي ومسعود جموع وجماعة، كما استدل به أو ناقش بعض مذاهبه عامة من نظموا في أصول رواية ورش كقول أبي العباس التازي في أرجوزته "الدرة السنية":
"فرق لحصري بترقيق أتى وعنه في حيران عكس ذا أتى
وكقول الإمام القيسي في "الأجوبة المحققة":
(١) - شرح المنتوري لوحة ٢٢٧.
(٢) - الفجر الساطع (باب الإمالة).
(٣) - التبيان في شرح مورد الظمآن (مخطوط).
(٤) - التكملة: ٢/٣٠٤ـ٣٠٥ ترجمة ٨٧٨.


الصفحة التالية
Icon