على أني وضعت تصميمي لهذا البحث وليس في الساحة من كتب القراءات المطبوعة إلا عدد يسير جدا كالنشر والغاية لابن الجزري ومنجد المقرئين له، وسراج القارئ لابن القاصح والنجوم الطوالع للمارغني، ثم كتاب السبعة لابن مجاهد والكشف لمكي بن أبي طالب.
بل إن كتب أبي عمرو الداني الأمهات لم يكن يومئذ منها بالمكتبات شيء، لنفاد طبعاتها منذ زمان كـ"التيسير" في القراءات السبع و"المقنع" في الرسم، و"المحكم" في الضبط، ولم تظهر طبعاتها الجديدة إلا في العهد الأخير.
وهذا أمر قد تطلب مني إعادة كتابة عدد من فصول البحث كلما جد جديد في الميدان بوقوفي على كتاب لم أكن قد تمكنت من العثور عليه مطبوعا أو مخطوطا، وتكرر ذلك علي كثيرا حتى بت أشفق منه بقدر ما أغتبط به.
وأخرى ينبغي أن ألفت نظر القارئ الكريم إليها، وهي أنى سجلت موضوع أطروحتي هذه سنة ١٩٨١ وميدان البحث في علوم القراءة في المغرب يومئذ خال مهجور، لا سيما ما يتعلق منه بقراءة نافع وتاريخ المدرسة المغربية في القراءة، إذ لم يكن قد ظهر في هذا الميدان إلا بحوث يسيرة منها ما هو عرض سريع، ومنها ما يلامس الموضوع بشكل جانبي(١).

(١) - من الرسائل التي لامست الموضوع رسالة السيد عبد السلام الكنوني وهي بعنوان "المدرسة القرآنية في المغرب" وقد طبع الجزء الأول منها منذ زمان. ومنها مقدمة تحقيق كتاب "إيضاح ما ينبهم على الورى من قراءة عالم أم القرى" لأبي زيد بن القاضي تحقيق السيد بلوالي محمد، ومنه نسخ مرقونة بخزانة دار الحديث بالرباط. ومنها الدراسة القيمة التي صدر بها الدكتور الحسن وكاك لكتاب "تقييد وقف القرآن الكريم "للشيخ محمد بن أبي جمعة الهبطي، وقد طبع مؤخرا.

وكانت القيروان يومئذ ـ كما يقول صاحب المعجب "منذ الفتح إلى أن خربتها الأعراب ـ دار العلم بالمغرب إليها ينسب أكابر علمائه، وإليها رحلة أهله في طلب العلم، فلما استولى عليها الخراب ـ كما ذكرنا ـ تفرق أهلها في كل وجه، فمنهم من قصد بلاد مصر، ومنهم من قصد صقلية والأندلس، وقصدت منهم طائفة عظيمة أقصى المغرب، فنزلوا مدينة فاس، فعقبهم بها إلى اليوم"(١).
وكان من خيرة أئمة القيروان ممن شهد هذه المحنة وصلي نارها الشاعر الأديب والإمام المقرئ الذائع الصيت أبو الحسن الحصري الضريررائد هذه المدرسة في زمنه، وحامل لوائها في الأندلس والشمال المغربي الذي سنحاول في هذا البحث التعريف بشخصيته العلمية قارئا ومقرئا بعد أن عرفه أكثر من عرفوه من المثقفين شاعرا وأديبا، ثم نقوم بالتعريف بما كان له من أثر في هذا الشأن، ونقدم للقراء قصيدته الرائية في قراءة نافع من روايتي ورش وقالون كاملة محققة باعتبارها أقدم أثر في هاتين الروايتين اصطنع النظم التعليمي في تحديد أصولها وتفصيل أحكامها الأدائية، مما مثل به هذا الإمام مقام الريادة في هذا الشأن، وكان طليعة لأعلام الأئمة الذين نظموا في هذه القراءة في القرون التالية كما سنقف عليه بعون الله.
ترجمته وشخصيته العلمية
هو علي بن عبد الغني أبو الحسن الفهري القيرواني المعروف بالحصري ـ بضم الحاء وسكون الصاد المهملة وبعدها راء مهملة نسبة إلى الحصر أو بيعها(٢)، قال ابن القاضي: وضبطه الأستاذ أبو الحسن بن بري بضم الصاد"(٣).
(١) - المعجب في تلخيص أخبار المغرب للمراكشي ٥٠١ـ٥٠٢.
(٢) - هكذا ضبط نسبته ابن خلكان في الوفيات ٢/٣٣٢، وذكر الدكتور زكي مبارك في كتابه "الموازنة بين الشعراء" ص ١١٠ أن السيد حسني عبد الوهاب حدثه أنه منسوب إلى "الحصر" وهي قرية قديمة بالقرب من القيروان".
(٣) - نقله ابن القاضي في الفجر الساطع عند ذكر لغز الحصري في "سوءات" من باب المد.


الصفحة التالية
Icon