ثم نشطت الرسائل الجامعية مؤخرا وخاصة في شعبة الدراسات الإسلامية بكلية الآداب بالرباط فسجلت في جوانب من هذا الموضوع رسائل عديدة تحت إشراف أستاذنا الدكتور التهامي الراجي الهاشمي اتجه كثير منها إلى تحيق شروح "الدرر اللوامع" لابن بري، وشروح "مورد الظمآن" للخراز، وبعض كتب "ابن غازي" وشروحها وكتب أبي زيد ابن القاضي وأبي سرحان مسعود جموع السجلماسي والشيخ ابن عبد السلام الفاسي مما يعالج بعض الجوانب التي تناولتها في موضوعي هذا بتركيز أو إيجاز، وقد أثبت في أواخر هذا البحث قائمة تشتمل على أهم عناوين تلك البحوث وأسماء طلبة الدراسات الذين سجلوها في بحوثهم الجامعية استنادا إلى منشورات كنت أحصل عليها من حين لآخر، في متابعتي لما جد في الموضوع كما تقتضيه طبيعة البحث ويقتضيه منهجه المعتاد(١).
ولقد استفدت من بعض تلك البحوث التي تمت مناقشتها، ولم أجد غضاضة في الإشارة إليها وإن كان بعض أصحابها قد انتفعوا ببعض ما كتبته أو جمعته حينما كانوا في طور الإعداد، فأمددتهم بما تيسر لي رغبة في تحقيق الاستفادة، وتأثما من كتمان العلم أو احتكاره عن طلابه مهما كانت الدوافع والأسباب.

(١) - يمكن الرجوع إلى قائمة الرسائل الجامعية في آخر عدد من هذه السلسلة.

ولد ـ رحمه الله ـ في حدود ٤١٥هـ بمدينة القيروان(١)، ونشأ بها، وقرأ القرآن بالروايات في مسجدها، وكان ابن خالة الأديب الشهير أبي إسحاق الحصري صاحب "زهر الآداب" وربما التبس به على بعض المشارقة وغيرهم فظنوه اياه(٢).
وقد اشتهر اسمه عند الأدباء باعتباره شاعرا وشاحا، ولم يشتهر أستاذا مقرئا، وقد سارت في الناس قطعته الشعرية الدالية الجميلة التي مطلعها:
"يا ليل الصب متى غده أقيام الساعة موعده؟"
... وعارضه فيها كثير من الشعراء في القديم والحديث(٣) قال ابن خلكان: "وهي مشهورة فلا حاجة إلى إيرادها"(٤).
أما بين القراء فقد اشتهر مقرئا وأستاذا ماهرا وأديبا حاذقا"(٥)، وممثلا للاتجاه القيرواني في أصول الأداء، كما اشتهر بينهم بقصيدته السائرة في قراءة نافع، وبلغزه المشهور في مسألة "سوءات" ويأتي بيان ذلك في موضعه من هذا البحث بعون الله.
(١) - ينظر في ذلك مقال الأستاذ عثمان الكعاك نشره في مجلة المناهل المغربية عدد ٦ ص ١٢٠.
(٢) - ممن التبس عليه أمرهما بروكلمان فترجم لصاحب زهر الآداب أبي إسحاق إبراهيم بن علي فأضاف إليه طائفة من آثار الحصري الشاعر أبي الحسن ومنها "المعشرات" وقصيدة "يا ليل الصب" ـ تاريخ الأدب العربي ٥/١٠٦. كما التبس أمره على الدكتور أحمد أمين في ظهر الإسلام ٣/١٨٢ حيث عرف بالحصري الشاعر فقال: صاحب زهر الآداب ثم عاب عليه موقفه من استجداء ابن عباد في منفاه". وهذا خلط بين الحصريين ابني الخالة.
(٣) - بعض تلك المعارضات في مقدمة تحقيق زهر الآداب للدكتور زكي مبارك ٨ ـ ١٠.
(٤) - وفيات الأعيان: ٣/٣٣٢ـ٣٣٤.
(٥) - سيأتي تفصيل ما يدل على ذلك.


الصفحة التالية
Icon